بقلم: منى سليمان
مامضمون اتفاق “تخفيف التوتر أو المناطق الآمنة” بسوريا؟ هل يمكن أن يكون بداية لحل الأزمة السورية المستعصية… المقال التالي يلقى الضوء على هذا الموضوع :
أعلنت (موسكو، أنقرة، طهران) الدول الثلاث الراعية لمفاوضات الآستانة بين الأطراف السورية يوم 4 مايو 2017 عن التوصل لإتفاق “تخفيف التوتر” في أربع مدن سورية هي (حماة، إدلب، حلب، اللاذقية، حمص) يتم فيها وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات وذلك بموافقة النظام السوري ورفض فصائل المعارضة المسلحة على أن تضمن روسيا وتركيا إلتزام الأطراف بتنفيذ الإتفاق وذلك تمهيدًا لوضع “خارطة طريق” تطبق على كافة الأراضي السورية حال نجح ذلك تنفيذ ذلك الإتفاق وصمد أمام خروقات الأطراف المتصارعة على الأرض، وقد كان الإعلان عن إتفاق “تخفيف التوتر” مفاجئًا مثلما كان الإعلان عن الإتفاق الثلاثي (أعلن عنه في صباح آخر أيام عام 2016 من قبل الدول الثلاث وتم بمقتضاه وقف لإطلاق النار بشكل كامل في كافة المدن السورية) مفاجئًا أيضا، بيد أن الأتفاق الثلاثي لم ينجح ولم يستمر وسرعان ما تم خرق وقف إطلاق النار من قبل النظام السوري وبعض فصائل المعارضة، فهل سيكون مصير إتفاق “تخفيف التوتر” أفضل ويستمر ويكون بداية النهاية للأزمة السورية بكل تداعياتها الإنسانية والسياسية والتي تعد الأسؤ في القرن الواحد والعشرين، هذا ما سنحاول معالجته فيما يلي:
أولا: مضمون إتفاق “تخفيف التوتر” بسوريا:
وقعت كل من روسيا وإيران وتركيا يوم 4 مايو مذكرة تفاهم بإسم “مناطق تخفيف التوتر” لإقامة مناطق آمنة في سوريا وذلك خلال إنعقاد جولة جديدة من محادثات السلام للأزمة السورية التي يشارك فيها مختلف أطراف الأزمة (النظام السوري، فصائل المعارضة المسلحة، ممثلي عن فئات الشعب السوري) في عاصمة كازاخستان الآستانة. وتشمل أهم بنود الاتفاق وفق ما نشرته وزارة الخارجية الروسية:
*وقف إطلاق النار في محافظات (إدلب، أحياء مجاورة في محافظات حماة، حلب، اللاذقية، شمال حمص، الغوطة الشرقية شرقي العاصمة دمشق، وبعض مناطق جنوب سوريا على الحدود مع الأردن). وهي مناطق يسكنها مليون شخص تقريبا. وسيحظر إستخدام جميع الأسلحة في تلك المناطق وسيسمح بإدخال المساعدات الإنسانية إليها. وعودة النازحين لمنازلهم وإصلاح البنية التحتية.
*وقف القصف الجوي على تلك المدن. وهناك ثلاث جهات تقوم بعمليات قصف جوي في سوريا هي .. روسيا تقوم بقصف معسكرات “المعارضة المسلحة و”داعش”، والتحالف الدولي بقيادة واشنطن يقوم بقصف معسكرات “داعش” وبعض الجماعات الارهابية، وتركيا تقوم بقصف معسكرات الأكراد.
*سيتم تفعيل الاتفاق منذ يوم 6 مايو 2017 على أن يستمر لمدة ستة أشهر. ويمكن تمديده تلقائياً إذا وافقت الدول الضامنة الثلاث.
*من الممكن نشر قوات أجنبية على حدود مناطق وقف التصعيد الأربع. وإقامة نقاط تفتيش ومراكز لمراقبة وقف إطلاق النار على هذه الحدود لمرور المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية.
*تلتزم الدول الضامنة اتخاذ التدابير اللازمة كافة لمواصلة قتال تنظيم “داعش” و”جبهة النصرة” وجماعات أخرى داخل مناطق تخفيف التوتر وخارجها.
والملاحظ أن بنود الإتفاق تم صياغتها بعناية وراعت أهداف كل طرف في الأزمة (سوريا، إيران، تركيا، روسيا)، بيد أن هناك بعض النقاط الملتبسة والاسئلة المشروعة على البنود التي لم تجد اجابة عنها حتى الان، وهي لماذا اطلق على هذا الاتفاق اسم “تخفيف التوتر” رغم ان المسمى الافضل له “المناطق الامنة التي كانت أنقرة تدعو لها منذ 2013، ربما تغير الأسم تم لرفض بعض الأطراف مسمى “المناطق الآمنة”، وهل ستتمكن أطراف الأزمة من التعاون عسكريا لمحاربة “داعش” والتنظيمات الإرهابية كيف سيتم ذلك؟ وفصائل المعارضة السورية بدأت في التناحر فيما بينها، وما هي الضمانات التي تملكها (موسكو، طهران، أنقرة) لتنفيذ ذلك الاتفاق وتجعله مختلفا عن الاتفاق الثلاثي الذي فشل ولم ينفذ؟. تلك الأسئلة مازالت إجابتها غامضة ولم تجب عنها أى دولة من الدول الراعية للاتفاق.
ثانيا: دوافع الدول الثلاث لعقد الإتفاق:
هناك دافع موحد للدول الثلاث (روسيا، إيران، تركيا) لرعاية الإتفاق وإقناع حلفائها من أطراف الأزمة بالتوقيع عليه، وهناك دوافع لكل دولة على حدى .. بالنسبة للدافع الموحد فهو إرساء الأمر الواقع في سوريا قبل زيارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” المقبلة للمنطقة وتشمل (المملكة العربية السعودية، إسرائيل). وهي أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي منذ توليه منصبه في يناير 2017 ويكسر بها البروتوكول الأمريكي بأن تكون الزيارة الأولى لدولة من دول الجوار مثل كندا أو المكسيك مما يؤكد رغبته في حل قضايا الشرق الاوسط لاسيما الازمة السورية التي تفاقمت في عهد سلفه، وللتأكيد على أن الدول الثلاث هي الممسكة بملف الأزمة السورية والقادرة على إنهائه أو تعقيده، وهو ما يعزز مكانة الدول الثلاث إقليميا ودوليا. خاصة مع وجود إرهاصات ترجح بعقد “ترامب” قمة “إسلامية- أمريكية” بالرياض للاعلان عن تحالف جديد “عربي اسلامي امريكي” لمحاربة الإرهاب خاصة في سوريا، ولذا ترغب موسكو أن تسبق واشنطن بخطوة في الملف السوري وان يتعامل ترامب مع الامر الواقع بعد تنفيذ اتفاق “تخفيف التوتر” الذي يعد خارطة طريق في حال نجاحه لحل الازمة السورية ككل عبر توسيع مناطق وقف اطلاق النار والتعاون لمحاربة الجماعات الإرهابية.
وفيما يخص بدافع كل دولة على حدى فهو موحد أيضا ولكن مع إختلاف الأهداف فتسعى الدول الثلاث “لتخفيف التوتر” في سوريا لأن كلا منها تستعد لمعارك أخرى داخلية أو خارجية .. بالنسبة لروسيا، يرى الرئيس “بوتين” أن العام الحالي هو الوقت المناسب لإنهاء الأزمة السورية أو على الأقل وضع خارطة طريق لإنهائها، بعدما حققت موسكو كل أهدافها من التدخل العسكري في سوريا فقد أصبحت موسكو لاعب حاسم في قضايا الشرق الاوسط خاصة سوريا مما عزز مكانتها الإقليمية والدولية، والوقت الآن مناسب لتنفيذ كافة مخططاتها للعودة كقطب دولي منافس للولايات المتحدة الامريكية، حيث تسعى لتهدئة الوضع في سوريا لأن مناطق نفوذها الأقرب أصبحت في أزمات متتالية ومنها (كوريا الشمالية، أوكرانيا، دول البلطيق وشمال أوروبا)، وكان تواجد موسكو في سوريا عنصرًا فاعلًا ومفيدًا لها لتعزيز مكانتها دوليًا واستغلته لملىء الفراغ الاستراتيجي في منطقة الشرق الأوسط بعد تراجع النفوذ الأمريكي بالمنطقة. كما أن روسيا تكبدت الكثير ماديًا وعسكريًا في الأزمة السورية بعد عامين من التدخل العسكري والقصف الجوي المستمر في ظل أزمة إقتصادية روسية تلوح في الأفق بعد فرض عقوبات إقتصادية أمريكية وأوروبية عليها. وما ترغب فيه موسكو تخفيف حدة التوتر بسوريا لأنها ستتفاقم في مناطق أخرى هامة بالنسبة لها كأوكرانيا ودول البلطيق.
وبالنسبة لإيران، التي تواجه منذ تولى “ترامب” حملة شرسة ضدها من قبل اعضاء بإدارته وبعض وسائل الاعلام الأمريكية والغربية، بلغت في وقت ما التلويح بإلغاء الإتفاق النووى مع مجموعة (5+1)، ثم التراجع عن ذلك والإكتفاء بمراجعته وإستمرار فرض عقوبات على شركات إيرانية وسورية وعلى عناصر “لحزب الله” الذراع اليمني لإيران في سوريا ولبنان والعراق، مما ضاعف الضغط الأمريكي عليها، وهناك متغير داخلي وهو إستعداد إيران لإجراء الإنتخابات الرئاسية هذا العام، وهو ما يدفع المرشد الأعلى للثورة الاسلامية لتخفيف التوتر وتهدئة الملف السوري قليلا، لتهيئة الرأى العام الداخلي والخارجي لمعركة الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن يشوبها إنتهاكات لحقوق الإنسان والحريات مما يفاقم الإنتقادات الغربية لإيران، لاسيما بعد الانتقادات الأخيرة لها وتلك التي وجهها لطهران ولى ولى العهد السعودي “محمد بن سلمان” مؤخرًا وإتهامها بالتدخل في الشأن العربي وإشعال الأزمات باليمن وسوريا والعراق. فطهران ترغب في تجميل صورتها أمام الرأى العام الداخلي والخارجي والظهور بمظهر الدولة الراغبة في السلام والراعية له، كما أنها تكبدت الكثير من الخسائر المادية والبشرية في معاركها بسوريا المستمرة منذ ست سنوات وترغب في إعادة ترتيب أوراقها الخارجية بعد قدوم رئيس جديد لطهران.
وفيما يخص الموقف التركي .. فقط ألتقط الرئيس “رجب طيب أردوغان” أنفاسه بعد تمرير التعديلات الدستورية وبات يعمل جاهدًا على ترتيب البيت التركي الداخلي وإعادة صياغة السياسة الخارجية التركية التي لاحقتها الأزمات مؤخرًا بما يحقق مصالحها وفق ما يراه هو بالطبع، ويعد اتفاق “تخفيف التوتر” نجاحا له وأولى ثمار جهوده لإنشاء المناطق الأمنية التي يدعو لها منذ عام 2013 وهو يحقق له عدد من الفوائد ومنها:
* إنشاء مناطق فاصلة بين الحدود التركية ومدن الصراع والمعارك بسوريا
*تهيئة الوضع الميداني لعملية عسكرية تركية قادمة في سوريا والعراق، حيث أعلن ان المرحلة الاولى فقط من عملية “درع الفرات” هي التي انتهت وهناك عمليات عسكرية جديدة يلاحق بها التنظيمات الارهابية (حزب العمال الكردستاني، داعش) والهدف منها بالطبع منع اقامة اى كيان كردي في شمال سوريا ولذا ستكون هناك عملية عسكرية في “منبج”، وعملية أخرى لتجفيف نفوذ الأكراد في مدنية سنجار بشمال العراق وسيطلق عليها اسم “درع دجلة”.
ثالثا: ردود الفعل:
حظى الأتفاق بترحيب من قبل النظام السوري وبعض فصائل المعارضة ومنها حزب “الإرادة الشعبية”، وبعض الدول العربية ودول الأتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الامريكية. بينما رفضته جماعات المعارضة المسلحة والسياسية في سوريا وأنسحبت من الإجتماع ولم توقع عليه أو تعتمده، وأتهمت موسكو بالفشل في إلزام النظام السوري وحلفائه وإيران بإحترام الاتفاقات السابقة لوقف إطلاق النار وكان أخرها “الإتفاق الثلاثي”. ويمكن تلخيص اهم ردود الفعل عليه فيما يلي:
*الموقف الأمريكي: رحبت واشنطن بالاتفاق، وأعلن رئيسي الأركان الروسي والأمريكي يوم 7 مايو 2017 إستئناف كامل لتنفيذ بنود مذكرة مشتركة لمنع وقوع حوادث جوية فوق سوريا، حيث تقوم الدولتين بعمليات قصف جوي لاهداف مختلفة، وقد تم تعليق تلك المذكرة بعد القصف الجوي الامريكي لمعسكر “الشعيرات” في أبريل 2017.
*رحبت الأمم المتحدة عبر مبعوثها لسوريا “ستيفان دي ميستورا” بالاتفاق لأنه خطوة في الاتجاه الصحيح لوقف حقيقي للقتال.
*مصر: رحبت في بيان لوزارة الخارجية بالإتفاق، وجددت دعمها للوقف الفوري للعنف وتحسين الأوضاع الإنسانية. وموقفها القائم على ضرورة إيجاد حل سياسي ينهي الأزمة السورية، يحافظ على وحدة الأراضي السورية واستقلالها وينهي وجود التنظيمات الإرهابية بها.
*إسرائيل أعلنت أنها لا تهتم بالإتفاق وستواصل القصف الجويّ التي تشنه من آن لآخر ضد معسكرات “حزب الله” اللبناني في سوريا.
*رفض حزب “الاتحاد الديموقراطي الكردي” في سوريا الإتفاق لأنه يمهد لتقسيم طائفي لسوريا، والحزب هو الذراع السياسي “لوحدات حماية الشعب الكردية” التي تقوم بعمليات مسحلة ضد “داعش” في سوريا وتتلقي دعم عسكري ولوجيستي من قبل الولايات المتحدة الامريكية، وتسعى لترسيخ الحكم الذاتي عبر تأسيس نظام جديد في الشمال يقوم على حكومة اتحادية.
*ممثلي المعارضة السورية (معارضة أنقرة والرياض) رفضوا الإتفاق وعللوا موقفهم بثلاث أسباب حيث إن الاتفاق .. لا يتضمن النص على وحدة الأراضي السورية، لا يشمل وقف إطلاق النار بسوريا كافة، وضع إيران كدولة ضامنة لتنفيذ الاتفاق أمر مرفوض بالنسبة لهم.
والملاحظ من ردود الفعل أن كل طرف استغل الاتفاق لتجديد مواقفه من الأزمة السورية ككل وليس من اتفاق “تخفيف التوتر” فقط.
رابعا: فرص نجاح الاتفاق:
أفاد “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأن قوات النظام السوري اشتبكت مع مقاتلي المعارضة في محافظة حماة وهي احدى مناطق “تخفيف التوتر” بعد بدء سريان الاتفاق بساعات قليلة. مما يثير التساؤلات حول الضمان الحقيقي لتنفيذ الإتفاق، وربما يكون ذلك هو رغبة الدول الثلاث (روسيا، إيران، تركيا)، في إنهاء الأزمة لأنها صاحبة القرار على الأرض وحال وقفت كلا منها الدعم اللوجيستي والعسكري والمادي المقدم لحلفائها الميدانيين المسلحين ستتوقف الحرب فورا، فروسيا وإيران تدعمان الحكومة السورية بكل ما يملكوه من قوة، وفي المقابل تركيا تدعم الفصائل المسلحة المعتدلة بالطبع. وهنا يأتي السؤال هل ستنصاع الفصائل المسلحة لأوامر أنقرة أم أنها خرجت عن السيطرة؟ وهو ما ظهر مؤخرًا بعد “حرب الفصائل” التي وقعت بين الفصائل المسلحة السورية في الغوطة الشرقية بينها وبين بعضها من جانب وبينها وبين التنظيمات الإرهابية “كداعش والنصرة” من جانب آخر، ولذا فإن نجاح اتفاق “تخفيف التوتر” وحل الازمة السورية حل نهائي مرهون بأمرين..
الأول: هو لعبة الشد والجذب بين الدول الإقليمية والدول الكبرى الأطراف في الأزمة (إيران، تركيا، روسيا، الولايات المتحدة الأمريكية)، فكل دولة منهم تسعى لتحقيق مصالحها فقط من تورطها في الأزمة السورية، وتسعى للضغط على الأخرى لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، وإذا كان من مصلحتهم استمرار الأزمة ستستمر دون توقف، والعكس صحيح.
الثاني: موقف الفصائل المسلحة المعتدلة والإرهابية، وهي أشبه “بعرائس الماريونيت” التي تتحرك على الأرض وأطراف خارجية ممسكة بخيوطها لتحركها وفق مصالحها، فهل ستنصاع العرائس لرغبة محركيها وتوقف القتال، أم ستتمرد عليها وتتحرك بمفردها لترسم بنفسها مستقبل لحل الأزمة السورية وفق مصالحها؟ وذلك لن يكون في مصلحة الدولة السورية الموحدة. الأيام القادمة ستكون كافية للإجابة عن هذه الأسئلة، فإذا نجح إتفاق “تخفيف التوتر” لمدة ستة أشهر سيكون بداية النهاية للأزمة وخارطة طريق حقيقية تطبق في كل أرجاء سوريا لوقف القتال وهذا ما نأمله.
*باحثة دكتوراه بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة، متخصصة بالعلاقات الدولية والشأن التركي.