أبانوب سامي – إرم نيوز
طرح الكاتب أبانوب سامي في مقاله بموقع ” إرم نيوز ” رؤية واضحة للأسباب التي أدت إلى انهيار العلاقات الدبلوماسية بين تركيا وأكبر دولتين تستضيفان الجزء الأكبر من المواطنين الأوروبيين، وإلى نص المقال.
شهد هذا الشهر انهيارًا في العلاقات بين تركيا والدولتين اللتين تستضيفان الجزء الأكبر من المواطنين الأوروبيين الأتراك “ألمانيا وهولندا”، وسط توتر علني جرى خلاله تبادل الإهانات والشتائم.
ولكن النزاع كان يدور على مستويين أحدهما واضح وضوح الشمس حيث كان من المستحيل تجاهل تهديدات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المتكررة بقيام أوروبا بالممارسات النازية، بينما كان الآخر خفيًا حيث يسهل التغاضي عن تاريخ التوتر المتبادل الذي أدى إلى ذلك الانفجار والذي يشمل تخريب أردوغان طويل المدى للمؤسسات الدينية الإسلامية التي تتعامل مع الأتراك في أوروبا.
وأشارت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إلى أنه ظاهريا كانت المعركة على جهود حكومة أردوغان وحملتها في أوروبا قبل إجراء استفتاء محوري في الشهر المقبل بهدف إعادة تشكيل تركيا كدولة رئاسية مركزية.
وتعكس هذه التوترات التي تفاقمت بسرعة، الطريقة التي يمكن للشعبوية القومية أن تؤثر على بعضها عبر الحدود الدولية، ولكنه يعكس أيضًا مشكلة طويلة الأمد خاصة بتركيا وأوروبا وهي اقتناع الحكومة التركية بأن المغتربين الأتراك في كل مكان في العالم ولاؤهم الأول لتركيا، فأردوغان لا يريد أصوات المغتربين الأتراك فقط بل يريد ولاءهم دون منازع أيضًا وقد أثبت أنه على استعداد للذهاب إلى أقصى الحدود لتأمين هذا الولاء.
ويشمل ذلك الخطب السياسية التركية والدعاية للغة التركية حيث أعلن أردوغان في مقابلة مع صحيفة ألمانية تركية في العام 2011 أن الاندماج القسري الذي يطالب المهاجرين بقمع ثقافتهم ولغتهم يمثل انتهاكا للقانون الدولي ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها أردوغان لهجة يعتبرها الأوروبيون تخطيًا للحدود، فقبل عام في كولونيا بألمانيا قال: “الاندماج هو جريمة ضد الإنسانية”.
ولكن جهود أردوغان تشمل أيضًا تكتيكات خفية بما في ذلك تشكيل الحياة الدينية للأتراك المقيمين في أوروبا لخدمة أهداف حكومته السياسية باستخدام الأئمة الذين يعملون كجواسيس لصالح الدولة.
ويمكن رؤية هذا النموذج بوضوح في مسجد سيهتليك كاميي، في حي برلين المليء بالمهاجرين في نيوكولن، فحتى منتصف يوليو من العام الماضي، كان موضعًا لتجربة حذرة ولكنها تقدمية تمامًا حيث بدأ إمام المسجد الشاب أندر سيتين، وهو مواطن من نيوكولن من أصل تركي بفتح منزل العبادة للزوار غير المسلمين بعقد أيام السبت المفتوحة وبدأ في الحوار العام مع الحاخامات اليهود والكهنة المسيحيين.
وكان مسجد سيهتليك كاميي هو أكبر دار عبادة إسلامية في برلين وحصل على اهتمام وسائل الإعلام لهذه الجهود، كما اعتبره أنصار الاندماج مبادرة مثالية لخفض الفجوة المتداخلة بين مسلمي ألمانيا وغيرهم من الألمان.
ولكن سيتين لم يكن وحده بل كان جزءًا من جيل جديد من رجال الدين المسلمين في جميع أنحاء ألمانيا الذين سعوا إلى إدخال الجالية المسلمة التركية في نسيج ألمانيا.
وعمل أولئك الأئمة الشباب على تجنيد مواطني ألمانيا مثل “ستين” الذين لديهم أصول تركية ولكنهم ولدوا وترعرعوا في ألمانيا قبل أن يتم تدريبهم في تركيا وبالفعل تواصلوا مع وسائل الإعلام الألمانية وعملوا في المدارس الحكومية الألمانية لتدريس الصفوف الدينية للتلاميذ المسلمين حتى أن بعضهم تطرق إلى مواضيع فائقة الحساسية مثل المثلية الجنسية.
ولكن هذه الواجهة الدينية اللامعة توقفت فجأة في الصيف الماضي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا حيث أدت إلى شن حملة عبر تركيا وصلت إلى ألمانيا فضلًا عن بلدان أوروبية أخرى فيها الأتراك المغتربين.
ووجد “سيتين” وحلفاؤه أنفسهم يواجهون غضب المديرية التركية للشؤون الدينية “ديانت” وهي السلطة الإسلامية الرسمية في تركيا والتي تمول حوالي 900 مسجد في ألمانيا وأكثر من ذلك بكثير في جميع أنحاء أوروبا الغربية.
وقد تم إنشاء المديرية في العام 1924 بهدف الحفاظ على الإسلام في الجمهورية التركية العلمانية ولكن في عهد أردوغان يقول المعارضون إنها أصبحت أداة سياسية لتعزيز مصالح حزب العدالة والتنمية الإسلامي. وتغطي ميزانية “ديانت” رواتب جميع أئمة تركيا المغتربين الناشطين في أوروبا الغربية ويعتبرون جميعًا موظفين مدنيين أتراك.
وفي أعقاب محاولة الانقلاب، أوقف مقر “ديانت” في أنقرة “سيتين” وأمثاله بما في ذلك مجلس إدارة سيهتليك كاميي بالكامل واتُهموا بإتباع “فتح الله غولن” وهو المقيم بالولايات المتحدة الذي حمله أردوغان مسؤولية الانقلاب.
وكُتبت ملاحظة على بوابة مدخل المسجد: “أنصار غولن غير مرحب بهم” وقد تم إخماد التجربة القصيرة في سيهتليك كاميي وغيره من التجارب الدينية الممولة وعاد الأئمة إلى ثقافة أكثر ولاءً لحزب أردوغان من أي حزب آخر.
كما امتد نفوذ أنقرة إلى أبعد من حدودها عبر شبكة “ديانت” من الأئمة والمساجد في أوروبا والتي يديرها الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية (DITIB)، وهو أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا، بفروع في جميع أنحاء البلد. وحتى وقت قريب لم تكن وظيفة المساجد سياسية صريحة، ولكن مع نمو سلطة أردوغان بدأت “ديانت” تظهر كأداة للنظام، وأصبح الاتحاد الإسلامي أحد أذرع الرئيس التركي أردوغان.
وقالت الخبيرة الإسلامية سوزان شروتر: “من خلال الاتحاد الإسلامي، وسع اردوغان أيديولوجية حزب العدالة والتنمية الإسلامية إلى الفصول الدراسية”. وقد خضع الدور المتغير لديانت والاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية لتدقيق قاس ٍ في ألمانيا العام الماضي في أعقاب محاولة الانقلاب ولم يقتصر الأمر على الإطاحة بالأئمة الإصلاحيين مثل اندر سيتين، بل تم القبض على الواعظين الموالين لأردوغان متلبسين من قبل أجهزة الاستخبارات الألمانية، وقدموا قوائم بمشتبه فيهم من أنصار غولن للسلطات التركية.
وقد ادعت صحيفة “دير شبيغل” الألمانية التي كشفت القصة أن هذه التقارير تثبت مدى نفوذ أردوغان بالمجتمع الألماني وأن أحد أهداف أردوغان هو تقسيم المجتمع التركي في الخارج إلى حلفاء وأعداء للنظام وأن الرئيس أردوغان يستخدم الاتحاد التركي الإسلامي للشؤون الدينية كجزء مهم من شبكة التحكم في الأتراك المغتربين من أجل أهدافه الخاصة.