س: يدّعون أنكم تستهينون بحجاب المرأة وتعتبرونه من الفروع. ما تعليقكم؟
ج: الحقائق المتعلقة بالعقيدة وأفعال المكلفين في الإسلام تُصنَّف في قسمين اثنين؛ الأصول والفروع. الالتزامات المتعلقة بالعقيدة تُصنّف تحت قسم الأصول، أما المتعلقة بالأعمال والأفعال والمعاملات فتصنَّف تحت قسم الفروع. الأحكام المتعلقة بالعمل، بالمقارنة على الأسس المتعلقة بالعقيدة، تأتي بالدرجة الثانية وتُبنى دائمًا على الأصول. ولأن الحجاب موضوع عملي، فإنه من الفروع. ويجب ألا ننسى أن الرؤية العامة لدى علماء الإسلام هي أن الحجاب من الفروع. بعض الصحفيين -بسبب قلة العلم- قد لا يراعون هذه التفاصيل الدقيقة في لغة الأخبار والصحافة، ولكن علماء الدين والدراسات الإسلامية بالتأكيد يعرفون هذه المسائل جيدًا، لأن الذي لا يعرف مفاهيم الفروع والأصول لا يُمنَح الإجازة الشرعية. ثم إن هذه المعلومة ليست من المعلومات المعقدة، بل هي معلومة تدرَّس في التعليم الابتدائي. وأعتقد أن الذين أداروا حملة إعلامية ضد هذا الفقير منذ البداية حتى اليوم واستغلوا وصفي للحجاب بـ«الفروع» استغلالا مغرضا، لا يعرفون معنى الفروع والأصول في العلوم الإسلامية. لذلك أداروا حملة تشويه مقصودة. ثم إني استخدمت بالتركية مصطلح «فروعات»، ولكنهم -لضعف في العلم- نقلوها إلى جرائدهم بـ«تفرّعات». كلمة «فروعات» و«تفرعات» وإن كانت من نفس الجذر إلا أن كلمة «تفرّعات» في اللغة التركية تعني «التافه» الذي لا أهمية له. فلا أدري هل سبب معاناتنا يعود إلى اللغة التركية نفسها، أم إلى من يخلطون بين المفاهيم والمصطلحات أم يعود إلى نوايا مغرضة يحملها الصديق ليضلل بها الرأي العام ويشوّه سمعتنا، لا أدري.
ولا بد أن ألفت الانتباه إلى أن كون الحجاب من «الفروعات» لا يعني أنه ليس فرضا. إن الحجاب فرض. وهناك أحكام عملية كثيرة هي من الفروع وهي فرض وواجب شرعي. ولو كنتُ -كما يدّعون- رجلًا لا يبالي بمشكلة الحجاب ويستخف به -حاشا لله- لَما كتبتُ رسالة إلى السيد رئيس الوزراء في عام 2006م أكدت فيها ضرورة حلّ هذه المسألة في أقرب وقت ممكن. ومَن يحبّ الاطلاع على تلك الرسالة فهي موجودة، وقد نشرتها الصحف قريبا.
كتب السيد «عثمان شيمشك (Şimşek)» محرر الموقع الإلكتروني Herkul.org الذي ينشر أحاديث الأستاذ فتح الله كولن مقالا بعنوان: «زيارة أردوغان بنسلفانيا» وخطاب 2006م» وقد تعرّض «شيمشك» في مقاله إلى خلفية الخطاب الذي أرسله الأستاذ الفاضل فتح الله كولن إلى السيد رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان آنذاك:
«دارت على ألسنة الناس شائعات تقول إن حزب العدالة والتنمية في تركيا قد انحرف عن المنهج، ويضطلع بمخططات من شأنها القضاء على المتدينين في تركيا. وبناء على ذلك قال لنا الأستاذ فتح الله ذات يوم:
« ماذا سيكون -يا ترى- ردّ فعل السيد رئيس الوزراء إن أرسلتُ له خطابا؟».
وقد أفصح عن نيته هذه عدة مرات خلال يوم أو يومين، وفي النهاية استكتبَ أحدَنا هذا الخطابَ في منتصف الليلة الثانية من شهر مايو عام 2006م، وبعد صلاة الصبح رغب في قراءته عليه مرة أخرى. وكان الأستاذ يستمع إلى الخطاب وهو منكس الرأس والدموع تنساب على وجنتيه، ثم رفع يده بالدعاء قائلا:
«اللهم إنك تعلم أنني أقوم بوظيفة الإنذار والإرشاد كمؤمنٍ ليس إلا، وليس لي غاية إلا رضاك يا ربي». إنني ما زلت أتذكّر هذه الصورة وكأنها ماثلة أمامي الآن.
أما بالنسبة لخطاب الأستاذ كولن فهو على النحو التالي:
«إنني أقول مع الأسف إن هذه الخطوة الخطيرة التي أقدمت عليها الحكومة قد خلّفت جروحًا غائرة في قلوب المسلمين. فما كان من بعض أصحاب الأفكار والمشاعر والقلوب السليمة إلا أن حبسوا مشاعرهم في صدورهم ثقةً فيكم وتعويلًا عليكم، لكن الأمر ليس كذلك بالنسبة للبعض الآخر الذي يكنّ لكم كذلك كل حب وتقدير. ولكم أن تعتبروني من ضمن أصحاب القسم الأول الذين يئنون ألما في نفوسهم وإن كانوا لا يظهرون مشاعرهم لغيرهم. إن «قانون مكافحة الإرهاب» الذي تعتزمون إصداره يشبه المادة 163 التي كانت كسيفِ «ديموكلاس» المسلّط دائما على رقاب المسلمين. وبدهي أن هذا القانون لو صدر بشكله الحالي سيكون بمثابة المِشرط الذي يعمّق هذا الجرح الأليم.
فضلا عن ذلك فإن عدم اتخاذكم موقفا واضحا إزاء قضية الحجاب (كان الحجاب آنذاك ممنوعا في المؤسسات الرسمية وفي كل المدارس) ورفع الأغلال عن مدارس الأئمة والخطباء، سيصيب الآخرين الذين يعولون عليكم في حل هذه المشاكل بخيبة الأمل. فالآمال التي علّقوها عليكم في هذا الموضوع توشك أن تنطفئ، وربما تعتبر الأمة هذا فشلا ذريعا، أو تصفه دعايات خصومكم بالعجز عن الحل…»