بقلم محمود عبدالرازق
أردوغان ديكتاتور، كل أفعاله وأقواله تقول هذا، وإلّا فما كل هذه الاعتقالات والإجراءات الاستثنائية دون أي دليل، ضد عشرات الآلاف من الشعب في فترة زمنية لا تكفي لصدور حكم قضائي واحد ضد فرد واحد ;أردوغان ديكتاتور، بدليل إغلاق المؤسسات الصحفية والإعلامية دون أحكام قضائية، وفرض الوصاية والسيطرة على مؤسسات أخرى، وتأميم البنوك، وإغلاق تويتر ويوتيوب عند انتشار فضائحه عليهما.
وكل ديكتاتور يحتاج إلى فزَّاعة يخيف بها شعبه، ويُشعِره معها أن لا مجال لغير الديكتاتورية، ولا مجال لغير البطش، حتى يشكر له الشعب أنه يحميه من هذه الفزَّاعة، ويبقى خانعًا خاضعًا تحت سطوة الديكتاتور.
ومنذ ثلاث سنواتٍ، إلا قليلًا، بدأ أردوغان يهذي بأسطورة “الدولة الموازية” أو “الكيان الموازي” الذي يتزعَّمه محمد فتح الله كولن، أي جماعة “الخدمة”، وكلّما مر الوقت ازداد صوت هذيان أردوغان ارتفاعًا، وازدادت رؤوس أتباعه انخفاضًا، وازداد المجتمَع الدولي دهشةً! فخلف كل هذا الحديث لا بد من حقائق وأدلّة لا تقبل الجدل ولا الشك، فأين هذه الأدلّة؟
ما أراه حقًّا أن أردوغان لا يريد أن تسلّمه أمريكا الأستاذ فتح الله كولن، أو أنه لا يسعى لهذا ولا يعمل له، كل ما هنالك أنه يهذي بما يهذي به كل يوم حتى يبقى أتباعه أتباعًا، وتبقى له اليد العُليا بحمايتهم من ” غول الكيان الموازي” الذي اختلقه لهم حتى يخافوه فيرضوا بما قسم الله لهم من ديكتاتورية أردوغان، بديلًا لهذا الخطر غير المعروف وغير مأمون العواقب، وكما يقول المصريون: “اللي نعرفه أحسن من اللي مانعرفوش”، فالأتراك يعرفون أردوغان، ورأت بلادهم على يديه نهضة حقيقية، فإن كان فاسدًا أو ديكتاتورًا فلا بأس، لأننا “نعرفه” و”جرّبناه”، و”مايجراش حاجة عادي”.
أما ” غول الكيان الموازي” الذي يصوّره لهم أردوغان كل يوم بأنه يسعى للسيطرة على تركيا، وللسيطرة على أمريكا، بل وللسيطرة على أكثر من مئة وستين دولة له فيها مدارس، فهو وحش لا يعرفونه، لا يدركون مدى خطره… الأفضل إذًا أن يكتفوا بأردوغان وديكتاتوريته التي لا تضرّهم كثيرًا…
بهذا المنطق فإن أردوغان إذا تَخلَّص من فتح الله كولن -وما أسهل هذا على جهاز المخابرات التركي- فإنه سيكون تَخلَّص من فزَّاعته الرائعة التي تُبقِي شعبه خائفًا من مواجهة ديكتاتوريته، ومن مساءَلته عن فساده… لهذا فنحن أمام احتمالَين لا ثالث لهما:
الأول: أن أردوغان لا يتعامل بشكل جدِّيّ في مسألة إيجاد أدلّة قاطعة على تورُّط فتح الله كولن في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة، بافتراض أن كولن متورِّط فعليًّا فيها.
والثاني: أن كولن غير متورِّط في شيء، وأن أردوغان سيقضي السنوات القادمة في هذيانه دون تقديم أي دليل.
المهم في كلتا الحالتين أن تبقى فزَّاعة أردوغان لشعبه موجودة، وإلّا فسوف يصعب عليه خلق فزَّاعة جديدة.