د. عبد المجيد بوشكبة، كاتب أكاديمي خبير في الشؤون التركية
(الزمان التركية) في حوار لجريدة “هسبريس” المغربية مع السفير التركي بالمغرب نشر يوم الإثنين 1غشت 2016 حول المحاولة الانقلابية الغادرة التي تعرضت لها الحكومة التركية مؤخرا، آلمني كثيرا ما جاء على لسان السيد السفير من معلومات متناقضة ومليئة بالمغالطات.
وبصفتي مهتما بالتجربة التركية كنت أتمنى على السيد السفير أن يرفع السقف قليلا ويتحدث عن الأفق والأسباب الداعمة لوحدة الشعب التركي ولم جراحه حتى لا تعود البلاد إلى مستنقع الظلم أو الانقلاب المضاد. ثم يفيدنا سيادته بمعلومات صحيحة ويحترم عقولنا.
فتركيا القوية بناها كل الأتراك النزهاء، وأن المفكر فتح الله كولن كان من أبرزهم، فإلى حدود 2012 كان السيد أردغان يدعو العالم والمفكر فتح الله كولن “الرجل الكبير” وأنه أشاد بدوره في بناء تركيا. وما بناه هذا الرجل من مؤسسات نموذجية داخل الدولة يعد اللبنة الأساس في قطع الطريق على رجال الدولة العميقة و”التنظيم الموازي الحقيقي” الهادف إلى إرجاع البلد إلى عهد الإقصاء والصراع وحكم الرجل الواحد.
لكن الذي استفز عددا من المثقفين المغاربة هو أن ينعت سيادة السفير الرجل العالم فتح الله كولن بقوله: (وأعتقد أن التنظيم الإرهابي المسمى “فيتو”، التابع لغولن، يشكل تهديدا على العالم أجمع برئاسة الإمام المتقاعد الذي لا يتعدى مستواه التعليمي الابتدائي.) وهذا ما جعل الكثيرين يطرحون التساؤلات:
– هل السيد السفير يمارس السياسة أم الأديلوجيا؟ فسياسة الكبار تقتضي ذكر خصومهم بما فيهم إن عجزوا عن ذكر محاسنهم. أما الأديلوجيا فيجوز لنا قول ما شئنا لتمرير بعض الأمور، وهل يمكن تحقيق شيء بهذا الأسلوب، فضلا عن إقناع الناس؟
– عفوا سيدي السفير: التنظيم التابع للمفكر العالمي كولن، يشيد به كل العالم ويستقبله بالأحضان. فلا أعلم دولة عبر العالم اتهمته قديما بشيء ، أو تهمة بغير ما يروجه بعض خصومه في السياسة؟ بل إن كثيرا من الدول في أفريقيا وأوروبا وآسيا وأمريكا وأستراليا تشيد بجدية هذه المؤسسات بل إن كثيرا منهم وشحوها بأوسمة الجودة والتفوق؟ لذا فهل يعاقب رجال هذا التنظيم على سمعتهم الطيبة في كل العالم؟ أم على آرائهم المخالفة لبعض السياسيين؟
– وأما السيد كولن فلم يتقاعد بعد، وقد وصفه كثير من الذين يجالسونه بأنه أكثر حركية من الشباب. و من ذلك أنه لم يتوقف عن حلقات التدريس منذ خرج من تركيا إلى اليوم إلا إذا منعه المرض. وقد قال فيه بعض من كتبوا عنه أن سيرته تذكرنا بقول العلماء في السلف (كانوا رهبانا بالليل فرسانا بالنهار). فهل يبقى لمن كان فارسا وراهبا وقت للنوم أو قضاء العطل في المنتجعات فضلا عن اتهام الناس بالباطل؟
– أما قاصمة الظهر بالنسبة لسيادة السفير، فهي أن يتهم رجلا يعتبره كثير من الباحثين والمفكرين من مجددي هذا العصر. وإن كان البعض يجهل قيمة هذا الرجل فعليه بالتواضع و قراءة ولو قليل من البحوث الأكاديمية المنشورة و المتخصصة في فكر “كولن” وعبقريته، ليس في العلوم الدينية كما يروج البعض، بل في علوم الدنيا من فلسفة وفكر وتربية واستراتيجيات عز نظيرها. ولعل تخصيصه بكرسي ببعض الجامعات كما في أندونيسيا أو دراسات متخصصة كصنيع الأكاديمية ب “جامعة رايس” الأمريكية السيدة “جيل كارول” في كتابها “محاورات حضارية” الذي نالت به جائزة الكتب الأكثر مبيعا. ولعل ذلك قد يزيل الغشاوة ويجلي بعض الحقائق حول كثير من الاتهامات الباطلة في حق هذا العالم الكبير.
فمن يحق له أن يتحدث عن المستوى التعليمي لرجل من هذا العيار؟ أم أن قولة الأستاذ بديع الزمان النورسي رحمة الله تعالى عليه، ما زالت سارية المفعول؟ و قد قالها حين جاءه رجل من أهل السياسة يطعن في آخر، والأستاذ النورسي يعرف أخلاق الآخر، فقال قولته المشهورة: ( أعوذ بالله من الشيطان والسياسة).