بقلم: عبد السلام كمال أبو حسن
في البداية لا فرق بين الانقلاب الذي يحدث من الجيش على رئيس منتخب، وبين الانقلاب الذي يحدث من الرئيس المنتخب على فئة من الشعب وإقصاء فئة بعينها.
ولو نظرنا إلى الواقع التركي لوجدنا أنّ هذه السابقة موجودة بشقيها، فبعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا ، خرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعددة قررات أدهشت المتابعين للوضع التركي، حيث بدأ انقلاب من نوع آخر في تركيا انقلاب قائم على تصفية كل معارض أو صاحب قلم ورأي.
ولو رجعنا إلى الوراء قليلا وبالتحديد إلى بداية 2014 وفي خطاب أردوغان بعد قضية الفساد المعروفة في تركيا والتي تم التستر عليها من قبل الحكومة – وهي بداية الخلاف الفعلي العلني بين أردوغان وحركة الخدمة التي تستقي فكرها من مؤسسها الشيخ محمد فتح الله كولن-، لو جدنا أن أردوغان جعل الخدمة شماعته التي يعلق عليها أخطاؤه دائما.
فمثلاً في قضية الفساد التي طالت بعض المقربين من دائرة الحكم في تركيا، أطلق أردوغان لقب الكيان الموازي على حركة الخدمة لكي يغطي على هذه القضية، وبدأت البروباغندا الأردوغانية في الحديث في وسائل الإعلام وترديد هذا اللقب، مع أن الأصل أن من يحاول التستر على فسادٍ أو مرتشٍ هو الكيان الموازي لأنه يسير عكس القيم الدينية والأعراف والقوانين التي تحكم أي دولة في العالم وهذا كان بداية الإنقلاب الفعالي في تركيا.
ثم أعقب هذا الانقلاب على الديمقراطية انقلابًا جديدًا على الإعلام والحريات، فأصدرت الحكومة التركيه قرارها بمصادرة الملكية الخاصة لحركة الخدمة من قنوات ومجلات ودور نشر وجرائد إخبارية وفرض الوصاية على هذه المؤسسات، ومن ضمنها جريدة زمان التركية التي كانت توزع مليون نسخة يوميا والتي بعد فرض الوصاية عليها وزعت 4000 نسخة فقط بتهمة أنها تحرض على الإرهاب وأنها جماعة إرهابية، ولم تستطع الحكومة التركية أن تسوق هذا الإدعاء وهذه التهمة خارج تركيا لأنها لم تستطيع أن تقدم دليلاً ملموسًا واحدًا على صدق دعواها.
وهنا يثور سؤال: إذا كان أردوغان يعرف أن الخدمة جماعة إرهابية، فلماذا دعى مؤسس الخدمة الأستاذ فتح الله كولن في 2011 إلى الرجوع إلى تركيا؟
ولماذا عندما كان يذهب إلى أي مكان في العالم هو أو مستشاريه أو وزرائه، كانوا يفتخرون ويباردون إلى زيارة مؤسسات الخدمة في هذه الدول؟
ثم إن الانقلاب العسكري الفاشل الذي رفضه كل العالم وكان من أول الرافضين له الأستاذ فتح الله كولن -وبينّ أنه ضد أي انقلاب يحدث على الديمقراطية وأن من جاء بالصندوق يذهب به ولابد من محاكمة من تورط في هذا الانقلاب بعد محاكمات عادلة-، خرج أردوغان وقبل أي تحقيق أو حتى التواصل مع أي من مساعديه أو أي شخصية في الدولة –كما قال هو- اتهم الأستاذ فتح الله كولن بأنه خلف هذا الإنقلاب، وكان هذا انقلابا جديدا انقلابا على العدالة في تركيا فكيف يتهم شخص من غير تحقيق!؟
وهو ما دفع الولايات المتحدة أن ترد على وزير الخارجية التركي -على خلفية طلب الثاني من الأول تسليم فتح الله كولن- بأنه يجب أن تقدم تركيا دليلا ملموسا على صحة ما تقول.
وكما قال أردوغان أن هذا الانقلاب كان لطف من الله، بدأ أردوغان في اليوم التالي مباشرة لهذا الانقلاب الفاشل في غلق مؤسسات الخدمة من مدارس وجامعات ومستشفيات ومساكن طلابية، وجمعيات إغاثية منها جمعية كيمسايوكمو المشهورة بنشاطتها الإغاثية في إفريقيا والعالم العربي، بالإضافة إلى توقيف ما يقرب من 80 ألف معلم ومدعي عام وأطباء .
فهل استطاع أردوغان أن يحقق مع كل هذا الكم في ساعات فقط، أم كان هناك اسماء وكشوفات معده مسبقا، وفي انتظار التنفيذ؟
ومن أطرف ما قرأت في هذا الموضوع أن من ضمن الاسماء الموجودة في هذه الكشوفات، اسم مدعي عام توفي قبل ثلاثة أشهر مما يدل على أن هذه الكشوفات كان معدة مسبقًا!.
وهذا يمثل انقلابا جديدا لانه يؤدي في النهاية استقطاب اجتماعي وانفصام في المجتمع التركي، ولاتوجد أي دولة في العالم تحاكم ناس بسبب انتمائهم الفكري.
في النهاية أقول كما قال الاستاذ فتح الله كولن: “يجب أن تكوّن لجنة دولية تحقق في هذا الأمر، وإذا ثبت أن أحدا من أفراد حركة الخدمة متورط في هذا لابد من معاقبته”.
نسأل الله السلامة لتركيا