بقلم أحمد كروجان
هناك ثلاثة أسئلة تدور في الأذهان وهى ماذا حدث؟ وماذا يحدث؟ وماذا سيحدث؟ وأعتقد أن أكثرهم مدلولية إنطلاقا من الحاضر هو ماذا يحدث؟ ولماذا؟ لأن الأذهان مشتتة جدا عندما يتعلق الأمر بإلاجابة عن سؤال ماذا حدث؟.
نعم وقعت محاولة إنقلاب وفشلت. ونعم المتورطون في هذه المحاولة الإنقلابية هم بعض من القادة الانقلابيين داخل صفوف الجيش.نعم موقف الرئاسة ومعظم القادة الذين لم يقفوا مع النقلابيين لعبوا دورا مؤثرا في عرقلة الإنقلاب، نعم الفطرة السليمة العميقة التي تجلّت في تصدي الشعب للإنقلاب تستحق المديح، لكن كل هذه الأمور لا تعطينا فكرة واضحة عن المخططين لهذا الإنقلاب والمشاركين فيه وأهدافهم ونواياهم، لأنه لاتزال هناك مئات الأسئلة عن الانقلاب تحتاج إلى إجابات.
انكشاف الحقيقة هو فطرة طبيعية في هذا الكون لذا يوما ما ستُحلِّ العقد المحيطة بهذه الأسئلة واحدة تلو الأخرى. وليس لدي أي أدنى شك في هذا. فقد بدأ بالفعل حل هذه العقد وحاليا بدأت أجزاء من الصورة تنكشف. فيوما ما ستعكس لنا هذه الأجزاء المشهد كاملا، وبالتالي فإن أي شئ سيُقال لحين ظهور المشهد كاملا لن يعكس الحقيقة بأكملها بل جزء منها.
ماذا سيحدث؟
لا أحد يستطيع التكهن بهذا، التنبؤ بالخطوة المقبلة أمر مستحيل في دولة يتغير فيها الرأي العام عشر مرات في اليوم الواحد وخصوصا في دولة مثل تركيا وسياستها. في الحقيقة النظريات السياسية الحالية غير كافية لشرح ما يحدث في تركيا، بالإمكان تخمين ما يحدث.فمن الممكن القيام بتحليلات سياسية واقتصادية وتاريخية إنطلاقا من الحقائق المعلنة لكنها تظل مجرد تخمينات وتحليلات، أما أنا فواثق من أنه لا أحد كان يتوقع وقوع ما حدث ( أي محاولة الإنقلاب) قبل نحو عشرة أيام. وبالتالي فإنه من الصعب توقع ما سيحدث بعد عشرة أيام أو حتى بعد عشر سنوات، لهذا أقول إنه بالنسبة لي السؤال حول ما يحدث الآن هو الأكثر مدلولية مقارنة بالسؤال حول ما حدث وما سيحدث.
ماذا يحدث؟
إجابة هذا السؤال بادية للجميع، فما يحدث الآن هو إنقلاب مضاد بحجة محاولة إنقلاب عسكري فاشل.
وفي الواقع أن الانقلاب المضاد لا يدركه كثير من الناس في ظل نزول الشعب إلى الشوارع للتصدي للانقلاب وفقدان عشرات المواطنين وإصابة المئات الآخرين، أما من يدركون هذا الانقلاب المضاد فلا يستطيعون أن يقولوا شيئا خوفًا من السلطة الحاكمة. لأن أقل انتقاد سيُعد هدّاما حتى ولو كان نقدا بناء. كما سيُصنَّف المنتقدون كانقلابيين.
وللإجابة على السؤال حول ما يحدث الآن دعوني أستعرض عليكم ملخصا سريعا. تمت إقالة 47 ألفا و188 موظفا حكوميا من بينهم 42 ألفا و767 يعملون بوزارة التربية والتعليم فقط،وهذا الرقم يتزايد يوميا، لا أعلم اليوم كم بلغ هذا العدد ولا أحد يعرف كم سيبلغ هذا العدد بحلول الغد، وعند الحديث عن حالات التوقيف والاعتقال ووفقا لما ذكره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته في وقت سابق، أن هناك 13 ألفا و165 حالة توقيف و5 آلاف و583 حالة اعتقال، كما تم إغلاق العديد من المؤسسات، حيث تم إغلاق 934 مدرسة و109 مساكن طلابية و15 جامعة و104 جمعيات خيرية و35 مؤسسة صحية و1125 جمعية و19 نقابة إضافة إلى 16 قناة تلفزيونية و3 وكالات أنباء و23 إذاعة و45 صحيفة و15 مجلة و29 دار نشر وتوزيع.
لا أعلم إن كان التاريخ يتضمن مثالا على صيد الساحرات على نطاق واسع كهذا الذي نشهده حاليا، ولا أعلم أيضا هل كانت الأحداث التي أطلق عليها الرئيس التركي في وقت سابق “صيد الساحرات” بهذا القدر من الشمولية والاتساع أم لا، هناك أيضا مشاهد تعذيب وهو ما تثبته الصور التي نشرتها وكالات الأخبار الرسمية التابعة للحكومة.
وتصريحات منظمة العفو الدولية كانت أكثر ألما وحزنا. فقد ذكرت المنظمة في تصريحاتها أن قوات الشرطة حرمت المعتقلين من الطعام والشراب والأدوية وأجبرتهم على الوقوت في وضعيات صعبة لمدة 48 ساعة وتعرضوا للتهديد والإهانات والتعذيب الذي تضمَّن في بعض الأحيان الضرب المبرح والاغتصاب، لاحظوا أن المنظمة تقول أن التعذيب تضمن الاغتصاب،يا ترى من هؤلاء الوحوش؟ هل كان ما سمعناه من حالات انتحارات كانت في الحقيقة أنهم ماتوا تحت وطأة التعذيب؟
أنهت منظمة العفو الدولية تصريحاتها بنداء، نداء صادر عن اللجنة الأوروبية لمنع التعذيب.
ولا شك التساؤل حول ما حدث وما سيحدث هى تساؤلات غاية في الأهمية، فاحدهما مهم من حيث معاقبة المجرمين الذين استهدفوا وحدة الشعب ومستقبله بتوجيههم أسلحة هذه الامة في وجهها، والآخر مهم من حيث تخطيط مستقبلنا واتخاذ إجراءات من شانها منع تكرار حدوث أشياء كهذه مرة أخرى.
لكن التساؤل حول ما يحدث الآن هو في الواقع تساؤل يخاطب الوقت الراهن، ودعونا لا ننسى أن مسيرة المستقبل تمر بمجرى الأحداث الراهنة، لذا لا مستقبل لمن يهدم حاضره بكل سهولة.