بقلم سليمان أوزإشيق
حذفني نحو 700 شخص من حساباتهم على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” بعد نشري تغريدة أعلنت فيها مشاركتي بأولمبياد مهرجان اللغة التي ينظمها أفراد من حركة الخدمة،كما تم تصنيفي خائنا للوطن لمشاركتي بها،وبعض أصدقائي دهشوا من تطرقي لهذا الوضع وقالوا: “لا تبالي بهم؟”،وقلت لهم أن المسألة التي تحزنني ليست حذفي من على موقع تواصل اجتماعي، فلو كان الأمر كذلك لما أكترثت، لكن الأمر له أبعاد أعمق من هذا.
وإن عرفت نفسك بأنك كردي فعلى الفور سيصنفك كثير من الناس من أنصار تنظيم العمال الكردستاني الإرهابي، وإن قلت إنك متدين فلن تستطيع أن تحب حزب الشعب الجمهوري العلماني، وإن قلت إنك تنتمي إلى العلمانية ستجد نفسك مصنفا من بين أشد الكفار، وإن دافعت عن الشيخ فتح الله كولن فأنت بدون شك خائن للوطن، وإن أهنته فانت تستحق التصفيق، هذا هو المشهد في تركيا في الوقت الراهن.
إننا نعيش في بلادنا سياسات العزل والإقصاء والتحقير في أبهى صورها، وأنا على سبيل المثال ذنبي الوحيد هو تغريدة بسيطة أعربت فيها عن شكري العميق لمنظمي المهرجان التركي الذي يحاول القائمون عليه تعريف الأجانب بالشعب التركي ولغته وعاداته وتقاليده، إنني تعرضت لجميع أشكال الإهانة والسباب عقب نشري هذه التغريدة، وفي الواقع واجهت هذا الوضع بصورة طبيعة،لأنني لا أتوقع من هؤلاء الذين صفقوا لجنرالات قضية “المطرقة”الذين وضعوا خطة انقلابية عام 2003 واعتزموا في إطارها جمع الأطفال والنساء والشيوخ في الملاعب للإساة إليهم أن يقوموا بالتقدير والمدح للأطفال الأجانب الذين أدوا الأغاني خلال مهرجانات اللغة التركية على المسارح والملاعب الضخمة ومن ساهموا في تنظيم مثل هذه الفعالية.
وليعلم هؤلاء الذين يوجهون إلي الإهانات ويحذفونني من المواقع الاجتماعية أن هناك مثلا شهيرا يعلمه الجميع، وهو: “الكلاب تنبح والقافلة تسير”، فعلى مدار 12 عاما تعرضت هذه القافة أقصد بها حركة الخدمة العديد من التعديات والهجمات الهمجية إلا أنها لم تتوقف من المضي قدما نحو هدفه المنشود،وهذه الفئة المظلومة التي تعرضت لشتى أنواع الأذى والمعاناة على مدى تاريخ الجمهورية من خلال اتهامهم تارة بالرجعية وتارة بالشيوعية وأخيرا بالانقلاب العسكري، لن يكونوا جزء من اللعبة القذرة التي تعرضها هذه القوى منذ عشر سنوات في كل المناسبات من خلال قمع الشعب بإظهار كولن وحركته على أنها تهديد للأمن القومي.
ماذا فعل لنا هذا الشيخ؟ دعونا نناقش هذه النقطة، هذا الرجل يتصدر الرأي العام التركي منذ ثلاثين عاما، لذا إن كان حقا أنه يهدف تقسيم البلاد وينشئ من يتبعونه كإرهابيين فلماذا لم يستطع هذا التنظيم الإرهابي الخروج من قوقعته لثلاثين عاما؟ فأتباعه الذين التحقوا به وهم في العشرين من العمر تجاوزوا الآن الخمسين لكن لم ينفذوا أي هجوم بعد، ما الذي ينتظرونه؟
هل هناك شخص واحد في حركة الخدمة قتل شخصا ما أو هاجم شخصا ما أو شن هجوما انتحاريا كتنظيم العمال الكردستاني الإرهابي وعناصر داعش وحزب الله؟ لا!.
إن السلطات التركية تزعم أن هذا الرجل زرع أتباعا له في المؤسسات الحكومية، إن كان يشكل هذا الطاقم لهدف معين لماذا يُحال هؤلاء الرجال الذين زرعهم في مؤسسات الدولة إلى المعاش منذ أعوام؟ كيف يمكنهم التواجد داخل مؤسسات الدولة بهذه الكثرة؟ لماذا لم تتحرك حكومة حزب العدالة والتنمية منذ عشر سنوات وتحركت لتصفيتهم عقب كشف عمليات الفساد والرشوة داخل الحكومة في 2013؟
عندما ننظر إلى تاريخ تركيا منذ عام 1980 نجد أن كل من رؤساء وكبار الدولة بدءا من تورجوت اوزال ومسعود يلماز وسليمان دميرال وتانسو تشيللر وبولنت أجاويد ودنيز بيكال وعبدالله جول ووصولا إلى رجب طيب أردوغان في أوائل حكمه… جميعهم أثنوا على هذا الرجل وقالوا إنه شخصية عظيمة ساهم في كثير من الأعمال الخيرية لهذا الوطن”، هل أهانوا جميعا الوطن بإغفالهم العمليات الإرهابية لحركة كولن؟ تم تبرئته من جميع القضايا المرفوعة بحقه خلال سنوات ماضية، هل جميع قضاة ومدعي عموم ومحاكم هذا الوطن خونة؟
جميع التحقيقات التي قامت بها حكومات 175 دولة حول العالم لم تستطع العثور على جريمة أو مصادفة عملية إرهابية واحدة، إذا كان هذا الرجل أكبر خائن للوطن على حد زعمهم لماذا لا تتحرك هذه الدول لإدانته؟ أخبروني ما ذنب هذا الرجل؟ هل ذنبه أنه متدين؟ أم لأنه لم يتصرف مثل علماء الدين التابعين لكم الذين حوّلتوهم إلى قردة الشاشات؟
هل الشيخ كولن أخطر ممن يعرف نفسه برجل الدين الذي أجاز جماع الرجل مع زوجته في نهار رمضان وأفتى بأن ذلك لا يبطل الصيام؟!، وهل هو أخطر من “رجل الدين”الذي يظهر على الشاشات وهو يتسامر مع النساء بكلام لا علاقة له بالدين ولا يتناسب مع الأخلاق الكريمة.
ألا يستحق هذا الشيخ الاستماع إلى كلامه بقدر ما يستحق زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان وعناصره الإرهابية الذين قتلوا أكثر من 30 ألفا من شعبنا حيث سمعنا هذه الفترة أناسا من الحزب الحاكم وهو يناشدون الحكومة التفاوض مع أوجلان معلنين أنه قائد يحتذى به؟ هل ذنبه أنه رفع علم بلادنا في أندونيسيا والسنغال وتنزانيا وألمانيا وهولندا والمكسيك وسائر البلاد التي قد لم يسمعه الكثير من المواطنين الأتراك عنها؟
نحن نفتخر بفاضل ساي لعزفه البيانو في 5 دول في حين أن هذا الرجل الذي جعل النشيد الوطني الذي كتبه شاعرنا القومي محمد عاكف أرصوي يُعزف ويُنشد في 175 دولة يعد خائنا؟ هل نحن خونة لأننا نكتب ونطرح هذه التساؤلات؟ هل لهذا لا يزال من قالوا هذه الأمور يدفعون الثمن منذ سنوات؟ ألهذا السبب تقومون بتهديدهم وسبّهم؟
أنا أعلم أن البعض يريدون أن يجعلوني أدفع الثمن لأنني أكتب هذه الجمل. لكن أقول بكل جرأة وصراحة إنني مستعد لدفع الثمن في هذا السبيل ولن أتخلى عن قول الحق ما دمت حيا…
نشر المقال في الثامن من الشهر مايو عام 2002