بقلم الكاتب: متين منير
أعتقد أن عبارة “مالا يقتلني يقويني” هى أحد أكثر العبارات عقلانية للفيلسوف الألماني فريدريك نيشته. ولا شك في أن هذه العبارة تسري على الجميع بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان، فمساء أول من أمس أطلقت مجموعة من قيادات وجنود الجيش التركي محاولة انقلابية بهدف الاطاحة بأردوغان، لكن في نهاية المطاف بات أردوغان أكثر قوة عقب فشل هذه المحاولة.
لم ينصاع الشعب لكلام الجنود ولم يعودوا إلى منازلهم بل استمعوا لدعوات حزب العدالة والتنمية الحاكم وتدفقوا على الشوارع والميادن، فالشعب التركي لم يتجمّع حول الدبابات لمنعها للتقدم بل توجهوا كذلك إلى أردوغان تعبيرا عن تضامنهم معه وحزبه، وهكذا نجا أردوغان من الخطر المحدق بينما تواصل تركيا غرقها.
وكما قلنا في البداية فإن هذه الأحداث المخيفة الجارية على الساحة التركية تخدم بلا شك مصالح أردوغان، وبالتالي لن تجعل أردوغان يغير من أسلوبه في إدارة البلاد بل سيجعله أكثر استبدادًا من ذي قبل، فأعتقد كذلك أن أردوغان لن يتعقّل ولن يعيد النظر في أخطائه التي لا حصر لها ولن يقود تركيا، التي تعمها الفوضى، إلى الصراط المستقيم.
ولتحقيق الاستقرار والأمن الحقيقي في البلاد لا بد أن يتخلى السيد أردوغان عن تفكيره في النظام الاستبدادي وسياسة الرجل الواحد ويدعم الديمقراطية ويعود عن مغامراته الخطيرة في السياسة الخارجية ويحتضن جميع طوائف الشعب بما في ذلك الأكراد والعلويين من جديد بعدما تم اقصاؤهم عن الساحة السياسية في تركيا، لكن يبدو أنه غير قادر على تحقيق مثل هذا التغيير في نظرته السياسية، ففي أول تصريحاته عقب ظهور الانقلاب العسكري بالأمس الجمعة نجح في ستر خسارته في السياسة الداخلية والخارجية من خلال تحميل حركة الخدمة مسؤولية محاولة الانقلاب، معلنا عن رفضه بذلك أنه بريئ وليس عليه أية مسؤولية بما يحدث في البلاد من القتل والدمار والانفجارات وغيرها من مجريات الأحداث المؤسفة محملا المسؤولية الكاملة للداعية فتح الله كولن والقوى الخارجية.
أعتقد أنه أكثر ما تحتاج إليه تركيا في الوقت الراهن هو الاستقرار والسلام الداخلي، ويجب على أردوغان والعدالة والتنمية التركيز على تحقيقهما، لكنهم لن يفعلوا هذا بل سيزداد أردوغان استبدادا وسيتم تقليص الحريات، وسيسرع من وتيرة وضع الدستور وفقا لرغبته بفضل الثقة التي حصل عليها بنجاحه في حشد الجموع في صفه خلال أحداث محاولة الانقلاب، بل قد يلجأ إلى انتخابات لتوسيع نطاق صلاحياته عندما تهدأ الأوضاع.
إن هذه التطورات التي نسمعها منذ صباح الأمس لا تبشر بأخبار سارة لا للاقتصاد ولا للاستقرار ولا للسلام الداخلي، كما أنها لسيت انباء سارة أيضا بالنسبة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، فما حدث ليس نتيجة لضعف أردوغان بل لقوته المفرطة فازدياد قوة أردوغان وسلطته تعني مزيدًا من الفوضى في مستقبل تركيا.
هل هناك” عبد” واحد يعي هذه الأمور التي قلناها داخل صفوف العدالة والتنمية؟
أكثر واقعة مأسوية وكوميدية وقعت يوم أمس كان تجاهل شخصيات كداودأوغلو وعبدالله جول وعبد القادر سيلفي انتهاكات أردوغان واظهاره كبطل للديمقراطية على شاشات التلفاز بقولهم إن تركيا ليست دولة إفريقية أو لاتينية، في إشارة إلى الانقلاب في كل من مصر والبرازيل.
فالسؤال المطروح هنا إذًن أي نوع من الدول تركيا؟
يا ترى ألا تخجل هذه الشخصيات عندما يخيرون الشعب بين الانقلاب العسكري المستبد وبين حكومة ديمقراطية على حد زعمهم، إنني أقول على حد زعمهم لأن هذه الشخصيات تعرف علما اليقين مدى ابتعاد حكومة أردوغان عن مسار الديمقراطية وحرية التعبير في الوقت الراهن والدليل على ذلك سيطرة النظام السياسي على جهازي القضاء والأمن واعتقال عشرات الصحفيين فضلا عن إغلاق القنوات الخاصة المناوئة للحكومة.
أعتقد أن فشل محاولة الانقلاب العسكري في تركيا أظهر لنا أنه لن يحدث استبداد عسكري في البلاد ولكن ماذا عن استبداد النظام المدني؟
يبدو أننا سنعيش هذا النوع من الاستبداد لسنوات طويلة.