نازلي إيليجاك
الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان جعل من نفسه أسير السلطة. فسبب رغبته في الرئاسة لا يقتصر فقط على اكتساب المزيد من السلطة بل لإبقاء سلطته لوقت أطول أيضاً.
الواقع أنه يسيطر حالياً على السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية معاً. أما رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو فلا يحرز مكانة إلا بقدر حجمه. ألا يظهر حجم قوة داود أوغلو من استمرار عمليات التعدين بسرعة كبيرة في موقع “جيرت تبه” بمدينة أرتفين شرق تركيا على الرغم من طلبه وقف الأعمال حتى انتهاء المراحل القانونية؟!
إن أردوغان يستمتع ويتلذذ من إظهار داود أوغلو ضعيفاً لا يحظى بأي ثقل. حسنا لماذا تسعى تركيا خلف رئاسة على النمط التركي، مع أن أردوغان يحكم تركيا شبرا شبرا؟ ألم تكفِ السلطة المطلقة، التي تشمل الجميع وكل مكان، لصاحب القصر الجمهوري الفاخر؟ إن أردوغان رأى بوضوح في السابع من يونيو/حزيران مدى الخطورة التي واجهها عند فقدانه الأغلبية في السلطة التشريعية. إنه يرى الآن شيئا آخر أيضاً وهو أن تركيا لن تتحمل هذا التوتر الحاد حتى انتخابات 2019. وحتى لو تحملته فإن العدالة والتنمية سيكون الخاسر في هذه الانتخابات.
ولهذا السبب يسعى أردوغان إلى الوصول إلى وضع ومكانة بحيث لا يتأثر حتى بالانتخابات العامة وانتقال الأغلبية البرلمانية إلى حزب آخر، وذلك من خلال تعزيز قوته بنظام رئاسي بنكهة تركية.
لقد تراكم قدر كبير من الظلم والغضب بحيث لو حدث حتى انشقاق صغير أو ثغرة قليلة في جدار السلطة الحاكمة فإن ردود الفعل غير القابلة للكبح سؤدي إلى انهيارها تماماً. وسيكون الثمن باهظاً.
يوفر النظام الرئاسي، على الطريقة التركية لأردوغان ضماناً استقلالية أكبر عن أغلبية العدالة والتنمية في السلطة التشريعية. لقد عانى من تلك المخاوف والتوترات في ليلة السابع من يونيو/حزيران الماضي ولا يريد أن يشهد الكابوس نفسه مرة أخرى. وأعتقد أن هذا هو السبب الرئيسي لتمسكه بالنظام الرئاسي. لكن الوصول إلى هذا الهدف لن يكون سهلاً إذ سيضطر إلى تمرير الدستور الجديد أو التعديل الدستوري عبر البرلمان. إذ من الممكن أن يتجنب بعض أعضاء العدالة والتنمية التصويت لصالح النظام الرئاسي في التصويت السري حتى ولو استكمل 330 صوتاً لازما لتغيير الدستور بنقل نواب من الأحزاب الأخرى. لأن داود أوغلو لا يدعم النظام الرئاسي وأعضاء البرلمان الذين يتبعونه لا يتقبلون تمكين رجل واحد من القوة بهذا الشكل. ولم يعد من السهل إخفاء التباين الواضح بين الرئيس ورئيس الوزراء.
من الواضح أنه حتى سلوك داود أوغلو المطيع لا يكفي أردوغان. لذا يبدو أنه يخطط لتعيين بينالي يلدريم رئيساً لحزب العدالة والتنمية خلال المؤتمر الطارئ في فصل الخريف.
أية دولة يقوم نظامها على قواعد معينة. والسعي وراء وضع لا يعترف بالقوانين يعني السقوط في الهاوية. فما نشهده اليوم من هجمات انتحارية ومجازر واعتقال الأفكار وإسكات الضمائر والانحطاط الأخلاقي وهيمنة الخوف تقول إن الجميع سيدفع ثمن أخطاءه هذه مهما بذل من جهود، إن عاجلاً أم آجلاً.