بقلم: أرجون باباهان
إن تصريحات رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بشأن وقف إطلاق النار في سوريا تزيح الستار عن أن خطر الصراع التركي- الروسي لا يزال على أشده وأنه يتصاعد تدريجيَّا، لا سيما وأنه أوضح أن وقف إطلاق النار لا يلزم تركيا مُضيفًا بقوله: “حذار أن يفكر أحد أن تركيا لن تفعل شيئًا بعد إعلان وقف إطلاق النار. فإذا استمرت وحدات حماية الشعب الكردية والدول الداعمة لها في التفكير بأنها مثلًا ستواصل إزعاج تركيا فعندئذ سنتخذ الخطوات اللازمة ونرد على ذلك”.
على الأرجح، المقصود بالدول التي خلف وحدات حماية الشعب هي أمريكا وروسيا، لأن كليهما لا تعترفان بأنها إرهابية، وتعطيان رسالة بالاستمرار في الدعم. تركيا تقف في موقف المعارض لقرار وقف إطلاق النار الذي قبلته حتى السعودية.
إن المشكلة تكمن في أنه لا توجد “المعارضة المعتدلة” في أعزاز وحلب اللتين ادّعى داود أوغلو أنها موجودة فيهما، بل توجد فيهما امتدادات لداعش والقاعدة التي تدخل ضمن وقف إطلاق النار بموجب قرار الأمم المتحدة واتفاقية ميونيخ.
قال داودأوغلو أيضًافي تصريح: “إذا كان الشعب السوري لا يزال هناك ويدافع عن أراضيه رغم القصف الشديد الذي نفَّذته روسيا الأسبوع الماضي على “تل رفعت” وحلب وأعزاز بخمسمائة طلعة جوية دون استهداف داعش، فهو بفضل دعمنا. وسنواصل هذا الدعم”، وبهذا أصبح معترفًا بأنه يدعم هذه المجموعات الأصولية الدينية.
وتتضح الصورة إذا أضفنا إلى تصريحات داود أوغلو دعوة الرئيس رجب طيب أردوغان لإخراج النصرة من قائمة المنظمات الإرهابية في الكلمة التي ألقاها أمام العُمد.
إن ما يحدث في سوريا حرب حضارات؛ حرب فيما بين الأصولية الدينية والعلمانية، وتحتل تركيا مكانًا في صف العناصر الأصولية الدينية في هذه الحرب. وهذا الخيار لا يتعلق بوحدات حماية الشعب، بل يتعلق بفوبيا الأكراد. وهذا هو السبب في وقوف أنقرة صماء تجاه نداءات الاستغاثة من بارزاني عندما وصل داعش إلى بوابة أربيل عام 2014.
والمبرر الذي دفع أنقرة إلى تجنب مد يد العون إلى كردستان العراق أمس، هو المبرر ذاته الذي يدفعها اليوم إلى سلوك عدوانيّ تجاه كردستان سوريا. ولأن حساباتها خاطئة؛ فالأخطاء التي ترتكبها في الدولتين يتمخض عنها سطوع نجم الأكراد أكثر على الساحة الدولية.
إذا عدنا لوقف إطلاق النار؛ نجد أن تركيا تقف بمفردها تجاه قرارات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. فحتى عاهل المملكة العربية السعودية عندما أظهر الدعم للخطة بعد لقائه مع بوتين ظلت أنقرة في عزلة تامة.
الآن ستستمر روسيا في قصف عناصر داعش والنصرة التي بقيت في إطار وقف إطلاق النار، وبالقرب من أعزاز وحلب بطريقة تستفز تركيا. دفْع تركيا بأكثر من ألفين من قوات جبهة النصرة في هذه المنطقة لابد وأن يكون قد دفع موسكو لتعجيل خططها الخاصة بهذه المنطقة.
بعد وقف إطلاق النار ستواصل الطائرات الروسية ضرب عناصر داعش والنصرة في المنطقة الحدودية التركية. وقد يؤدي تدخل تركيا هنا إلى صراع عنيف بين الدولتين.
توجد لدى أحد طرفي الصراع المحتمل القراراتُ التي تدعمها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي؛وعلى الجانب الآخر ستكون أنقرة التي لا دعم لها سوى مدافعها التي نشرتها بطول الحدود.
البعض يزج بتركيا نحو حرب ساخنة مع روسيا. موقف حلف شمال الأطلسي “الناتو” الواضح، وشرط اتفاق كل الأعضاء من أجل دعم تركيا، يكشف عن أننا سنبقى وحدنا في هذه الحرب.
لقد دخلنا في الطريق الذي سلكه الاتحاديون.