عمر نور الدين
مرة أخرى نعود للكتابة عن العلاقات بين مصر وتركيا.. ذلك أن الحديث الدبلوماسي يتجدد ويتكرر من وقت لآخر ما بين محاولة طرف من الطرفين إظهار الرغبة في عودة العلاقات إلى سابق عهدها وحديث الطرف الآخر عن شروط لابد من تحقيقها أو القفز الدبلوماسي على مصطلح ” الشروط” والحديث عن “معايير” العلاقات بين الدول في إطار القانون الدولي.
السؤل الذي يجب أن يطرح نفسه فيما يخص إزالة وضعية التوتر والجمود في العلاقات المصرية التركي هو: هل هناك عقبات تجعل من عودة العلاقات أمرا مستحيلا؟
وبعيدا عن الإجابة التقليدية التي تبرز مباشرة عند طرح سؤال كهذا، وهي أنه لا مستحيل في السياسة يبدو أن هناك بالفعل شروطا يجب أن تتحقق أولا قبل الحديث عن عدة العلاقات لمصرية التركية، التي كانت قد وصلت في عهد الرئيس السابق عبد الله جول إلى قمة ازدهارها مع توقيع اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين عام 2007 وإقامة المنطقة الصناعية التركية في مصر ، وتنامي العلاقات بوتيرة إيجابية اقتصاديا وتجاريا وسياسيا أيضا.
أهم هذه الشروط هي ابتعاد تركيا عن المنظور الإيدلوجي للإسلام السياسي في علاقاتها م مصر، والتعامل بشكل منفتح مع القيادة المصرية بغض النظر عن التيار التي تنتمي إليه، وذلك بالنظر إلى أن أساس توتر العلاقات يرجع إلى موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المناقض لخيارات الشعب المصري وهي الخيارات التي عبر عنها الشعب المصري بثورته على حكم جماعة الإخوان المسلمين بعد عام واحد من توليهم السلطة أخفقوا خلاله من إظهار الآداء الذي يظهر التخلي عن فكر الجماعة والانتقال إلى فكر الدولة، والإسراع اللاعقلاني في فكرة التمكين وجمع كل السلطات وإقصاء باقي الشركاء حتى من المتحالفين مع جماعة الإخوان المسلمين من أجل الانفراد بالحكم، وتأطير نوع من الفاشية المقيتة في الحكم فضلا عن مخاوف قطاعات عريضة في المجتمع الذي رفعه المؤيدون للإخوان المسلمين أو المتحالفين معهم.
ورأى قطاع عريض من الشعب المصري أن خطابات الرئيس التركي الحادة تجاه مصر وإدارتها الجديدة وعدم اعترافه يما حدث في 30 يونيو/ حزيان 2013 على أنه ثورة وتسميته بالانقلاب العسكري” وهي تسمية استفزت جموعا كبيرة من الشعب المصري اعتبرها تدخلا سافرا في شؤون بلاده الداخلية.
وجملة ما يمكن تلخيصه حول شروط تصحيح العلاقات المصرية التركية هو التوقف عن هذا الخطاب العدائي وتعامل تركيا مع مصر كدولة كبرى في منطقتها ودولة ذات ثقل كبير فيالشرق الأوسط والعالم والابتعاد عن كل مايثير الشبهات بشأن التدخل في الشأن المصري، لأن ملخض ما حدث في مصر هو انبعاث جديد للنزعة الوطنية بعد أن خاف الكثيرون من شعارات الإخوان المسلمين التي أثارت القلق وكذلك من خطابات المتحالفين معهم التي أظهرت أن حكم الإخوان المسلمين إنما جاء فقط من أجل المنتمين إلى جماعتهم وليس من أجل عموم الشعب المصري.
ويمكن القول من خلال التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي مولود تشاووش اوغلو، الذي تحلى بشجاعة الكشف عن عقده لقاءات متعددة مع وزير الخارجية المصري سامح شكري، وعدم غضب أردوغان من إعلان هذا الأمر، وتأكيد رغبة تركيا في استعادة علاقاتها مع مصر ، ورد وزير الخارجية سامح شكرى على هذه التصريحات التي أدلى بها نظيره التركي في الرياض بأن ليس هناك ما يسمى بالحديث عن شروط ، وإنما هناك معايير دولية إذا تحققت ستعود العلاقات إلى طبيعتها تلقائيا.
وبالطبع في مقدمة هذه المعايير والقواعد الدولية احترام سيادة الدول الأخرى وإرادة شعوبها وعدم التدخل في شؤونها وعدم إيواء أنشطة مناهضة لها..
وإجمالا، فإنه يمكن القول بأن ما يدور خلال أشهر سواء من محاولات تركيا لاستعادة العلاقات مع مصر بعد أن ضاقت السبل بتركيا وصارت معزولة في منطقتها أو من خلال محاولات أطراف ثالثة في مقدمتها السعودية لطي صفحة الخلافات بين مصر وتركيا، إنما يشكل ما يمكن تسميته بإرهاصات العودة، لكن وجود هذه الإرهاصات قد لايعني بالضرورة أن كل الأمور ستحل بين عشية وضحاها.