بقلم: حسن جمال
لا أشعر في قرارة نفسي برغبة في الكتابة.
فالكلمة لم يعد لها محل من الإعراب.
وكأن كل ما يُكتب أو يُقال يذهب هباءً منثورًا.
وفيما يبدو أن الناس قد ملوا سماع الكلمات.
لا يرغب أحد في سماع المزيد.
لأن الآلام التي نعانيها في الوقت الراهن تدفع المجتمع إلى الانقسام بصورة بارزة وتجعل الناس أعداء لبعضهم بعضًا.
وكلما تعمق الاستقطاب الاجتماعي والسياسي في البلاد زاد الأمر تدهورًا.
وهذه الحلقة المفرغة الدموية التي يولد فيها العنف عنفًا تدفع المجتمع إلى التطرف.
لا أحد يستمع إلى أحد.
بتنا لا نستمع إلى الشخص الماثل أمامنا وكأننا أصبحنا صما.
الجميع أصبح أسيرًا لدوامة العنف يومًا بعد يوم وهو واثق للغاية من عدالة ادعاءاته.
أما عن الحل؛ فنسمع الدعوات التي تحث على الانتقام بمبدأ الثأر وإراقة الدماء لا يرجع إلا بسفك للدماء.
بل ويتم إظهار المزيد من إراقة الدماء على أنه السبيل الوحيد المؤدي إلى السلام.
إلا أن دعوات القتل وإراقة الدماء لا تعود إلا بالدماء ولا تدفع بنا إلا إلى حفرة شبيهة بحفر جهنم.
وعندها نجد أنفسنا في “حرب أهلية”.
وعندئذ تتحول تركيا إلى العراق!
وإلى سوريا!
ومن المؤسف أن هذه المرحلة الدموية قد بدأت فعلا.
ولا تشكوا أبدا من أن التفجيرات الوحشية التي وقعت في قلب أنقرة وقلب إسطنبول، والآلام الكبيرة المشهودة في بلدتي “سور” و”جيزره” جنوب البلاد تجر تركيا تدريجيًّا إلى فخ ومستنقع حرب أهلية.
ولا يمكن أن نتخلص من هذا الفخ الشيطاني بدعوات القتل وإراقة الدماء.
بل على العكس من ذلك سننجرف إلى هذا المستنقع الدموي.
الحرب ليست حلا.
إن محاولة فتح طريق للسلام من خلال الحرب خطأ جسيم.
وتركيا تعيش هذا الخطأ منذ عام 1990.
وثمة فائدة في التذكير بقول أينشتاين:
“من الحماقة فعل الشئ نفسه مرارًا وتكرارًا مع توقع نتائج مختلفة في كل مرة”.
إذا كانت ثمة رغبة لكسر الحلقة المفرغة الدموية التي جلعت العنف يولد العنف فيجب أن تنسحب الأصابع عن الزناد بأسرع وجه وأن يبدأ الطرفان عملية سلام أشبه بالتي أطلقت فيما بين عامي 2013 و2015 عن طريق وقف إطلاق النار.
الحل يكمن في العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى!
والفطرة السليمة، أو بتعبير آخر العقل السليم، يتطلب الجلوس والتفاوض والحديث وفتح سبل جديدة للحوار.
لأنه ليس هناك حلول أخرى.
وقبل أي شيء يجب أن ننهي أجواء الحرب ضد أكراد تركيا وأكراد سوريا.
وإن مبادرة كهذه قد تريح تركيا من الناحية الإقليمية، وتوسّع لها ساحة المناورة، وتجعلها في وضعية قوية من شأنها أن تساعد أكثر على عودة السلام والاستقرار مجددا.
وإلا ستكون بحيرة الدم أكثر اتساعا.
وسيقترب خطر الحرب الأهلية.
لكن الطريقة المتبعة اليوم ليست طريقة سليمة أبدا.
لأننا بهذه الطريقة لن نتمكن من تحقيق استقرار سياسي ولا اقتصادي أصلًا.
وسندخل في فترة أكثر ظلمة قد نتحرق فيها شوقًا إلى أيامنا الحالية.
قبل فترة كتبتُ أن أيامًا عصيبة تنتظر تركيا.
وحاولتُ أن أؤدي مهمتي من ناحية التحذير.
والآن سجلوا كلمتي التالية في مكان ما:
قد تأتي أيام أسوأ من التي نعيشها في الوقت الحاضر.