جراهام فولر – الإداري السابق في المخابرات الأمريكية
إسطنبول (زمان عربي) – كتب المستشار السياسي الدائم للمؤسسة الفكرية الأمريكية “راند” والإداري السابق في المخابرات الأمريكية جراهام فولر في مدونته الخاصة يوم الجمعة الماضي مقالا بعنوان: “كيف يمكن لتركيا أن تتجاوز اضطراباتها على صعيد السياسة الخارجية” جاء فيه:
ما الذي تحتاجه تركيا لتتخطى إحدى أكبر الإخفاقات التي تعيشها في سياستها الخارجية خلال تاريخها الحديث؟
من المفارقة أن الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية الأسبق رئيس الوزراء الحالي أحمد داود أوغلو المسؤولان المباشران عن هذه الاضطرابات هما اللذان طوّرا السياسة الخارجية الناجحة قبل 10 سنوات. فأين الخطأ إذن؟ وكيف يمكن لأنقرة أن تخرج نفسها من الحفرة العميقة التي دفنت نفسها فيها؟
الإجابة بسيطة: يجب على أردوغان وداودأوغلو العودة إلى مبادئهما الناجحة التي كانا يتبعانها قبل 10 سنوات، والتي تخليا عنها فيما بعد.
وإن المهمة الخطيرة والعاجلة التي تقع على عاتق أنقرة الآن هي الانسحاب الفوري من سوريا.ذلك لأن سياسة سوريا هي أهم عامل في تدهور الموقف التركي على الصعيد الدولي.
لكن يجب أن نكون صرحاء وأن نقول إن أنقرة ليست المسؤول الأول عما يجري في سوريا، فالمسؤول الأول هو بشار الأسد. ولكن أردوغان زاد الطين بلةً. حيث شجع الجهاديين الراديكاليين الذين يقاتلون في سوريا. وعرقل الحوار بين المذاهب، كما أساء معاملة الأكراد في سوريا.
وقطعت تركيا علاقاتها مع مجموعة من الدول كإيران والعراق وروسيا والصين وأمريكا، بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي والمجتمعات الكردية. وبدلا عن هذه الدول أقامت أنقرة تحالفا مشبوها خطيرا لا مستقبل له مع السعودية. وفوق ذلك جابهت روسيا بشكل خطير، وهي في موقع الخاسر حاليا.
وينبغي على المسؤولين في تركيا أن يفهموا أن الأسد لن يسقط في عهد قريب. لذا عليهم أن يكفوا عن محاولات إسقاط الأسد. فروسيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي والصين ومصر وكثير من السوريين يرون أنه إذا رحل الأسد فسوف يأتي من هو أسوأ منه.
إن لتركيا أشياء كثيرة يمكن أن تخسرها إن استمرت في هذه الحرب التي لا أمل منها، وهي لن تكسب شيئا نتيجة هذه الحرب. إذن فعليها أن تعمل مع القوى العظمى لإيجاد حل سلمي في سوريا.
ويجب على أنقرة أن تعود إلى سياستها السابقة، وأن تنتهج سياسة تفوق الصراعات المذهبية: نعم إن الغالبية في تركيا من أهل السنة، ولكن فيها أيضا شريحة واسعة من الشيعة والعلويين أيضا. فتركيا لم تعتبر رائدة لأهل السنة منذ مئات السنين. بل إنها حظيت باحترام وسمعة عندما آثرت الحياد إزاء الصراعات بين المجموعات السنية والشيعية قبل 10 سنوات. وهذا الوقت ليس وقت الانحياز لأحد الأطراف. فعليها أن تعمل على تحسين علاقاتها مع إيران.
إيران يزداد دورها يوما بعد يوم في المنطقة. وهذا مهم جدا بالنسبة لتركيا من الناحية الاستراتيجية والاقتصادية. وقد تراجعت العلاقات بين هذين البلدين، بعدما بدأت تركيا بمحاولة إسقاط الأسد حليف طهران.
كما ينبغي على تركيا أن تجعل تحسين علاقاتها مع روسيا من أولوياتها. وعليها ألا تحاول جر الناتو إلى الأزمة الحمقاء التي افتعلتها مع روسيا.
فروسيا اتخذت الاستقرار في سوريا كسياسة لها. وبناء عليه إذا غيرت تركيا من سياساتها كما ذكرنا آنفا، فإن علاقاتها مع موسكو ستتحسن تلقائيا بالطبع.
كما يجب على تركيا إقامة علاقات وطيدة مع جميع الأطراف الكردية في المنطقة. فقد استطاعت تركيا من خلال سياساتها السابقة أن تصنع من أكراد العراق حليفا لها. ولكن أردوغان سمح بإنهاء التقارب مع العمال الكردستاني في تركيا بعد أن تحسنت العلاقات بين الطرفين.
رفضت أنقرة رفضت إقامة علاقات مع أكراد سوريا الذين يُعدون من المجموعات القليلة التي تكافح داعش بضراوة. صحيح أن بإمكان تركيا أن تخوض حربا شاملة ضد الأكراد، وأنها قد تنتصر في هذه الحرب، ولكن من الواضح أنها ستخسر سياسيا.
فإذا كانت أنقرة تريد منع الأكراد من الحصول على المزيد من الحكم الذاتي في موقع من المنطقة، فذلك يؤدي إلى إقصاء الأكراد. كما يؤدي إلى ظهور مطالب سياسية واقتصادية وثقافية للأكراد.
إذ إن محاولة الحيلولة دون تقدم الأكراد لن تنتهي بالفشل فحسب، بل ستؤدي إلى ظهور علاقات سيئة وخطيرة جدا في المستقبل بالنسبة لتركيا وأكراد المنطقة كافة.
ومن المفارقة أن معظم الأكراد الذين حصلوا على مزيد من الحكم الذاتي يرون تركيا كحامية إقليمية لهم، كما يرونها مركزا اقتصاديا ومنطقة ثقافية بالنسبة لهم. طبعا هذا إن لم تستبعدهم أنقرة وتعتبرهم غرباء. فليس أمام الأكراد بديل عن تركيا لإقامة علاقات جيوسياسية مهمة.
في حين أن استقبال أنقرة الإنساني لمليونين ونصف المليون لاجئ والتكفل بمصاريفهم أمر جدير بالتقدير.
وحين تنتهي الأزمة السورية سيعود الكثير من السوريين إلى بلدهم، ولكن ليس كلهم. وقد يتسبب ذلك بمشاكل لتركيا، وقد يحقق لها فائدة. وكانت الدولة العثمانية بصفتها إمبراطورية قد أوكلت الكثير من المهام للعرب القاطنين ضمن حدودها.
واليوم يمكن لتركيا أن تزداد ثراء وقوة بفضل السوريين المقيمين في تركيا، وبذلك يمكنها دخول العالم العربي.
فتركيا بطبيعة الحال دولة متعددة الأعراق، حيث تعيش فيها مجموعات قادمة من القوقاز والبلقان وآسيا الوسطى.
وأخيرا يجب على تركيا أن تتعاون مع أمريكا كلما سنحت لها الفرصة. ويمكن أن يتحقق ذلك عندما تكون السياسات الأمريكية عقلانية وإبداعية.
فإذا حققت أنقرة كل هذه التغييرات السياسية فسوف تتطور علاقاتها مع واشنطن. وطبعا هذا إن افترضنا أن تكون سياسة الرئيس الأمريكي القادم تجاه الشرق الأوسط عقلانية. وهذا احتمال ضعيف.
وكل هذا السيناريو مرهون أيضا بافتراض أن يتصرف أردوغان بشكل عقلاني، وألا يضحي بمصالح تركيا في السياسة الخارجية في سبيل تعزيز قوته وسلطته من خلال السياسات الاستقطابية والطائشة.
فمصالح أردوغان الشخصية لا تتوافق مع مصالح تركيا الوطنية.
وكان أردوغان قد طبق بشكل عقلاني مقولة أتاتورك: “السلام في الوطن والسلام في العالم”. ولكنه ابتعد عن هذا المبدأ حاليا، فخسر السلامين معا، السلام في الوطن والسلام في العالم.