شاهين ألباي
وصل عدد الضحايا من الجيش والشرطة والمدنيين والسياح إلى الآلاف جراء ما تشهده تركيا من الاشتباكات بين قوات الأمن ومليشيات منظمة حزب العمال الكردستاني والعمليات الانتحارية منذ يوليو/ تموز الماضي حتى الآن وكذلك أعداد مواطني تركيا في هذه الميليشيات الذين قتلوا. ومن المتوقع أن عدد المواطنين النازحين عن ديارهم في جنوب شرق تركيا نتيجة الاشتباكات وقوانين حظر التجول تجاوز الـ200 ألف شخص.
وللأسف فإن تركيا تعاني الآن ما كانت تعانيه من الآلام في تسعينيات القرن الماضي. وإن هذا المشهد الذي يسود عموم تركيا يجب أن يدعو الجميع للتفكير: هل لحكومة العدالة والتنمية التي يتزعمها الرئيس رجب طيب أردوغان استراتيجية معينة في مكافحة الإرهاب بالعنف؟ وإن كانت موجودة فهل هي ناجحة؟
ويهدف كل من أردوغان وروئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في استراتيجيتهما إلى مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز بينها، حتى لا يبقى إرهابي واحد. لكن جبهة التنظيمات الإرهابية المستهدفة واسعة جدا: فهي تشمل داعش، والكردستاني، والاتحاد الديمقراطي، وجبهة حزب التحرير الشعبي الثوري. وهذه الاستراتيجية تأتي بالتزامن مع دعم قوات المعارضة المعتدلة التي تحارب نظام الأسد في سوريا، وذلك بالتعاون مع السعودية وقطر.
كما يتهم كل من نظام الأسد وروسيا وإيران. ويطالب حلفاء الناتو والولايات المتحدة بالكف عن دعم حزب الاتحاد الديمقراطي في مواجهة تنظيم داعش.
فإذا كانت هناك استراتيجية، فإنه يتضح مع مرور الوقت بأنها لا تأتي بنتيجة. لأن نجاح أي مكافحة مرهون باستنادها إلى استراتيجية مبنية على العقل والمنطق.فالاسترتيجية المبنية على العقل والمنطق تحدد الهدف الرئيس وتجرده عن غيره، ويجب تركيز المكافحة على ذلك الهدف.
ولكن ما يجري حاليا هو عكس ذلك تماما: حيث يتم اعتبار حركة الخدمة التي لا ذنب لها سوى الدعوة إلى التفاهم المتبادل، من بين التنظيمات الإرهابية بمحاولة تسميتها بـ”الكيان الموازي”، وذلك من خلال ادعاءات لا أساس لها من الصحة.
وفي ظل التصريحات التي تفيد بأن تركيا تتعرض لأنواع مختلفة من الإرهاب، يصبح السؤال حول من يتحمل مسؤولية العمليات الإرهابية، مثارا للشكوك.
فإذا كان يُراد تطبيق استراتيجية مبنية على العقل والمنطق، فينبغي أن يكون الهدف الأساسي في مكافحة الإرهاب هو محاربة داعش.
وذلك لأن داعش الذي يمارس أكثر أساليب العنف وحشيةً، يسعى للسيطرة على العالم الإسلامي كله بما فيه تركيا من خلال الخلافة التي يدعي أنه يمثلها، كما أنه لا يعرف سوى لغة العنف.
ويمكن القضاء على تنظيم داعش لأن معظم دول العالم بما في ذلك حلفاء تركيا في الناتو معادية لهذا التنظيم.
ونظرا لأن العمال الكردستاني وجناحه في سوريا الاتحاد الديمقراطي يلعبان الدور الأساسي في مكافحة داعش، فليس من المنطق وضعهما في نفس الكفة مع داعش.
علما بأن حلفاء الناتو يفرّقون بين الكردستاني والاتحاد الديمقراطي. ويمكن الحديث مع الكردستاني والاتحاد الديمقراطي دون داعش لكونهما مختلفين عن داعش. وقد تم التفاوض مع كليهما أثناء مسيرة السلام. وكاد يتم التفاهم معهما. إذن فيمكن إحياء مسيرة السلام من جديد. ويمكن أن يترك الكردستاني السلاح من خلال إجراء إصلاحات دستورية تلبي مطالب الأكراد. فهذا ممكن، إذ إن معظم الأكراد بمن فيهم الذين صوتوا لصالح حزب الشعوب الديمقراطي ضد رفع السلاح، ومع الوحدة الوطنية. ويجب أن يتحقق ذلك. لأن دفع الكردستاني والاتحاد الديمقراطي للبحث عن حلفاء جدد لهما في المنطقة، ليس في صالح تركيا كما هو معروف.
ويجب أن يتحقق ذلك، لأن تركيا مضطرة استراتيجيا لإحلال السلام مع الأكراد في الداخل، واحترام الأكراد وكسب صداقتهم في الخارج، من أجل وحدة التراب الوطني. وبذلك يتم إحياء الأخوة التركية الكردية التي تمتد إلى آلاف السنين.
وقد عبر السفير المتقاعد أونال تشفيك جوز عن ذلك باختصار حيث قال: “عندما تعيد تركيا ورقة الحوار والسلام من أجل حل المشكلة الكردية، فسوف تحل المشاكل مع الأكراد في الدول المجاورة أيضا. وهذه هي أقوى ورقة بيد تركيا”.