محمد كاميش
إن ظهور مسؤولي هذا البلد (تركيا) على شاشات التليفزيون وحديثهم بالفم الملآن عن “الخطوط الحمراء” يجعل المرء يبتسم تبسم ألم يدمي القلوب.
كم خطا أحمر حددناه وانتُهك؟ إننا نسينا العدد. ولا أحد في العالم يأبه أو يكترث بخطوطنا الحمراء، أما في تركيا فلا يكترث بها سوى العمد في القرى والأحياء، أو أنهم يتظاهرون بالاهتمام. وقد بتنا مواطنين لبلد أصبح يدار من قبل العمد بشكل فعلي من خلال الخطوط الحمراء. مع أننا كنا قبل سنوات قليلة “العثمانيون الجدد” هل تذكرون؟ فقد كنا نتغنى بعبارة (One Minute) التي دغدغت مشاعرنا، وأعطتنا دافعا لنكون العثمانيين الجدد، وربما كانت هذه الكلمة هي أبلغ حجة لنا أو الحجة الوحيدة لنا لنكون العثمانيين الجدد. إذ إننا لم يكن لنا اقتصاد متزن، ولا تكنولوجيا، ولا موارد طبيعية كبيرة، أي لم نكن نملك شيئا سوى الأحلام وعبارة (One Minute). ولذلك كانت كل دول الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز تتمنى أن يحكمها حزب العدالة والتنمية في أسرع وقت ممكن. حتى إن العالم بأسره كان يحتفل بالعيد ولسان حاله: “الحمد لله جاء العثمانيون الجدد فتخلصنا من مشقة حكم البلاد”.
ونحن اليوم نعيش هزيمة نكراء بعد أن أدركنا أن إدارة الدولة أمر جاد جدا، وأن الأحلام الوردية الجوفاء لا تجعلنا نذهب حتى إلى حانوت الحي.
وقد استيقظنا من أحلامنا الوردية فوجدنا أن بلدنا لا يعرف ماذا يفعل إزاء مختلف المواضيع. وحين نتساءل: “ما الذي تفعله تركيا؟ وما الذي تحاول فعله؟ فإننا لا نجد أجوبة يأخذها العقلاء على محمل الجد”.
فالاتحاد الديمقراطي الكردي انتهك كل خطوطنا الحمراء. في حين أن المقاتلات التركية لا تستطيع التحرك شبرا واحدا خارج الأجواء التركية. وليس أمامها سوى إطلاق الصواريخ من الداخل إلى خارج الحدود. وفوق ذلك فإن أمريكا وروسيا والاتحاد الأوروبي يعترضون على سياسات تركيا التي لا يفهم أحد منها شيئا. كما أنها لا تريد من تركيا أن تكافح الاتحاد الديمقراطي.
فقبل سنة واحدة أرسلت الحكومة التركية الكثير من حاويات المساعدات للاتحاد الديمقراطي، وفتحت المعابر لمجيء العمال الكردستاني، وأطلقت على ذلك اسم “جسر الأخوَّة”. ولكن تركيا اليوم تحارب الاتحاد الديمقراطي، وتتحدث عن خطوطها الحمراء. إلا أن ذلك كله لا يتعدى كونه مجرد وسائل لتحقيق مكاسب على صعيد السياسة الداخلية.
وبالتالي فإنه لاتوجد سياسة منطقية ولا خطا أحمر حقيقيا لدى الحكومة والقصر. أي إن كل هذه الخطوط ليست أكثر من وسيلة للمساومات. ولذلك فكما أن غايات تركيا غير معروفة، كذلك لا أحد يعرف الأهداف المستقبلية لحكومة العدالة والتنمية التي أخفقت في أهدافها حتى الآن، وحتى مسؤولي الحكومة لا يعرفون ذلك.
وفي الحقيقة ما من أحد في العالم يأبه بما تفكر فيه الحكومة التركية. فتصريحات أمريكا التي أعقبت تصريحات حكومة العدالة والتنمية والقصر الرئاسي حول الاتحاد الديمقراطي، تتناقض مع تصريحات تركيا بـ180 درجة، كما أن روسيا تصرح بما يماثل التصريحات الأمريكية، وهذا ما يضعف الموقف التركي. فليس بوسع تركيا أن تعمل شيئا إزاء التوافق بين سياسات أمريكا وروسيا، بعدما أمرت حكومة العدالة والتنمية بإسقاط الطائرة الروسية التي انتهكت أجواءها معتمدة بذلك على الناتو.
فإذا تدخلت تركيا فيما وراء الحدود فإنها لن تواجه سوريا بل ستواجه روسيا، وفوق ذلك لن تجد الناتو بجانبها.
فلو كُتب سيناريو حول كيفية جعل تركيا بلدا ضعيفا لا اعتبار له، كي يفقد سبل الحياة ويصبح على حافة الانقسام؛ ولو انتهجت سياسات مبنية على هذا السيناريو، لفعلت حكومة العالة والتنمية، والقصر ما تفعلانه اليوم.
وا أسفاه على ما فعلتموه بهذا البلد.