شاهين ألباي
أود تذكيركم بالمبادئ والسياسات الأساسية التي استند إليها مشروع الحداثة الكمالية بعد تأسيس الجمهورية التركية:
1- قيل: “لا يمكن للنظام الديمقراطي إجراء إصلاحات”.
أُسس نظام أوتوقراطي ذو حزب واحد، واعتُبرت المعارضة خائنة.
2- قيل: “إن الدين يعيق التطور ويجب إزالة تأثيره على الشعب”. وأصبح الدين حكرا على الدولة من خلال رئاسة الشؤون الدينية. كما تم الحد من حرية المعتقد.
3- وقيل: “إن المجتمع الحديث يكون من خلال لغة واحدة وثقافة واحدة”. وطُبقت سياسات التتريك. وأُهمل الوجود الكردي، وتم الضغط بشدة على مطالبتهم بالهوية الكردية. واعتُبر الأكراد خارج تركيا مصدر خطر على الأمن. واستمرت سياسات الكمالية العلمانية وسياسات الهوية الواحدة بالضغط على المجتمع طوال القرن العشرين، ولم تتغير قوانين المنع والضغوط الشديدة على الأصوات المعارضة التي كانت تعلو من قبل الأكراد. وحتى لو حاول السياسيون اتباع بعض اللين بعد التعددية الحزبية التي طُبقت في 1950، إلا أن الجيش كان يتدخل دوما، حيث عمل على استمرار السياسات الكمالية، وفرض نظام الوصاية.
وكان حزب العدالة والتنمية هو أول حزب حاول بشكل جاد إعادة النظر في إصلاحات السياسة الكمالية. حيث وعد المجتمع الذي يمثل المتضررين من السياسات العلمانية المشددة، بالحرية والديمقراطية.
فحكومة العدالة والتنمية في دورتيها الأوليين، أجرت العديد من التغييرات في السياسات الكمالية متمسكة بمحاولة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. فقد تفادت محاولات الانقلاب العسكري والقضائي، وبذلك نجحت في التخلص من الوصاية العسكرية. وحدث تقدم كبير في مجال الاعتراف بالهوية الكردية. كما بدأت مباحثات السلام مع العمال الكردستاني. وأقيمت علاقات وثيقة مع أكراد العراق. وقد وعد العمال الكردستاني بترك الاشتباكات المسلحة في حال التخلي عن الماركسية اللينينية، ومن ثم عن الرغبة بالانفصال، مع تحقيق مطالبه الأساسية؛ وهذا ما أوصل البلاد في عيد النيروز سنة 2013 إلى مرحلة مهمة من حيث السلام التركي الكردي. ولكن مباحثات السلام انتهت في صيف 2015 بسبب انعدام الثقة بين الطرفين، وعدم التزامهما بالتعهدات.
وكانت القومية السنية لدى العدالة والتنمية، والتي يسميها البعض بالإسلاموية، قد أخذت تتحول إلى السياسات الكمالية بدءا من عام 2011.
وأذكر أنني أبديت شكوكي حول هذا الموضوع في مقال لي بعنوان “هل حزب العدالة والتنمية كمالي إسلامي” (جريدة زمان 26 يناير 2012). حيث فاز العدالة والتنمية في انتخابات 2011 بنسبة 50% من الأصوات، ومن ثم تعرض للتحقيقات حول أعمال الرشوة والفساد في 17-25 ديسمبر 2013، وبعد ذلك أصبحنا نشاهد كيف لجأت السياسات الكمالية مع فارق بسيط.
والسياسة التي تسود تركيا اليوم هي سياسة الحاكم الفردي الأوتوقراطي الذي يذكرنا بعهد الحزب الواحد. وثمة محاولة لتطبيق النظام الرئاسي. كما أصبحت المعارضة تُتهم بالخيانة. وأصبحت رئاسة هيئة الشؤون الدينية في خدمة الحزب الحاكم كما كان في عهد الحزب الواحد. وقد أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان يترأس حكومة العدالة والتنمية، بأن زمن اللين في سياسات الهوية الكمالية قد ولى. فانتقلت الاشتباكات مع الكردستاني من الجبال إلى المدن. وأُعيد فتح مذكرة 1 مارس/آذار. وهُدمت الجسور مع أكراد سوريا. وأوشكت الأمور تصل إلى حد اشتعال حرب بين الطرفين. ومن المؤشرات التي تدل على اعتصام حكومة العدالة والتنمية بالكمالية، هو توافقها مع القوميين العلمانيين في السياسات الكردية.
نحن الآن في القرن 21. فالظروف الماضية أصبحت من الماضي. وإن الإصرار على السياسات السابقة تهدم أسس البلد. وحتى تحافظ تركيا على وحدتها واستقرارها، فهي بحاجة إلى جمهورية جديدة، وتأسيس ديمقراطية تدعو للحرية وفق المعايير الأوروبية.