عمر نور الدين
اختلطت الأوراق.. أصبح الناس في حيرة.. كثيرون لايفهمون ما يجري حولهم ولا كيف تتفاعل السياسة في تركيا ولا أحد يستطيع التنبؤ بموقف ثابت في سياستها الخارجية فالتحالفات والصداقات متغيرة والعداوات أيضا تتبدل.
المتابع لتصريحات كبار المسؤولين الأتراك يلمس هذا الجانب الذي يميز السياسة الخارجية لتركيا في ظل حكم العدالة والتنمية، حيث تعمل مؤسسات الدولة في واد وتجتهد في أن تطبق السياسات المنضطبة، لكن تأتي تصريحات مناقضة ومغايرة تماما تجبر هذه المؤسسات على تغيير مواقفها.. ومن هنا باتت تركيا فاقدة للرؤية معزولة في محيطها تسعى بين الحين والآخر إلى محاولة إيجاد مكان هنا أو هناك لكن غالبا ما تأتي خطواتها في الاتجاه الخاطئ للسبب نفسه، وهو العقلية التي تسيطر على كل مؤسسات الدولة وتمنعها من الاستمرار في أداء دورها.
يتابع الجميع ما يجري الآن في تركيا على حدودها مع سوريا حيث تصاعد التوتر بخطوات متسارعة ليضيف بؤرة ساخنة جديدة إلى بؤر الأحداث الملتهبة في جنوب شرق تركيا وليوسع من مساحة القلق في الشارع التركي ما بين حديث عن التدخل في سوريا بريا وعمليات إرهابية تحدث هنا وهناك وتضرب قلب العاصمة أنقرة في أهم نقاطها الحصينة قرب قيادات القوات المسلحة في رسالة تحد خطيرة.
منذ أسابيع بدأت وسائل الإعلام الموالية للحكومة في عملية تحضير وتهيئة الرأي العام لفكرة تدخل تركيا في الحرب الدائرة في سوريا، وكالعادة وقف الإعلام الموالي للحكومة والرئيس رجب طيب أردوغان في جانب وباقي مؤسسات الدولة وأحزاب المعارضة في جانب الآخر.
وعندما بدأ الجيش التركي قصف مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا، للحد من تقدمه باتجاه غرب الفرات، اعتقد البعض أن سيناريو التدخل البري في سوريا بات قريبا، وظهر التناقض بين مؤسسات الدولة فرئيس الوزراء أحمد داوداوغلو يقول إن تركيا ستعمل على تجنب الانخراط في حرب في سوريا بينما وزير الخارجية مولود تشاووش اوغلو يأمل في أن تطور السعودية موقفها إلى دخول حرب برية في سوريا داعمة لتركيا في إطار تحالف واسع، والأحزاب تري أنه من الخطأ الانخراط في هذه الحرب، والجيش يتمسك بقرار من مجلس الأمن الدولي، لكن الدول التي بيدها الحل والعقد في مجلس الأمن لاترغب في حرب برية في سوريا، بينما الرئيس رجب طيب أردوغان يدفع باتجاه استمرار الحرب ضد الاتحاد الديمقراطي في سوريا الذي صار عدوا لتركيا بعد أن دعمته من قبل ويتحدث عن عدم تكرار خطأ عدم دخول تركيا الحرب في العراق الذي لم يشهد استقرارا منذ 13 عاما.
والتيجة حتى الآن أن تركيا لم تقدم على خطوة باتجاه دخول سوريا بقوات برية للإطاحة بالأسد الذي يقتل آلاف السوريين،وإنما باتت تكتوي بنيران الإرهاب الذي يضرب في جنوب شرق البلاد تارة وفي إسطنبول تارة وفي أنقرة تارة أخرى، ويشعر البعض بأن تصعيد الحديث عن الحرب هو أمر مقصود للتغطية على حرب داخلية أخرى تدوررحاها داخل البرلمان حول وضع دستور جديد يضمن تطبيق النظام الرئاسي الذي ترفضه جميع أحزاب المعارضة ويتمسك به العدالة والتنمية تحت ضغط من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يرغب في تحويل هذا النظام إلى حقيقة يضمنها الدستور بعد أن أصبح واقعا فعليا تعيشه تركيا.. فأين تكمن مشكلة تركيا؟