أحمد ألطان
تاريخ الدول مليئ بمشاهد مرعبة ودموية ومثيرة للدهشة وتاريخ كل دولة تقريبا يحتوي على مثل هذه المشاهد لكن لا يُصادف كثيرا المشاهد الزلقة المقززة التي تثير في الإنسان شعور مشي الحلزون على جلده.
إن أنور باشا بالنسبة لي هو أدق مثال على مثل هذه المشاهد التاريخية. حيث تأخر أنور بعض الوقت عن اجتماع مجلس الوزراء بقصر الصدر الأعظم سيد حالم باشا وقال لأعضاء الحكومة والإبتسامة على وجهه:”أيها السادة لقد صار لديكم طفل”. وبهذه الكلمات علم مجلس الوزراء العثماني أن أحد أكبر الإمبراطوريات في التاريخ (الدولة العثمانية) ستشارك بالحرب العالمية. فقد زجّ أنور بمفرده بالإمبراطورية إلى ساحة الحرب بعد إتفاقه مع الألمان. وبشّر أعضاء الحكومة بهذا من خلال هذه العبارة الغريبة.
قد يكون هناك العديد من الأسباب لسعادة أنور باشا لكونه سيدخل الحرب لكن المهم هو أن يرى الاتحاديون الحرب على أنها المخرج الوحيد بعد فشلهم الذريع في إدارة الدولة، رغم تمكنهم من الاستيلاء عليها وقتما شاؤوا. ونحن نعلم إلى أين أدّى ذلك المخرج الوحيد في نظرهم.
لقي ملايين الناس مصرعهم وتحطمت الإمبراطورية العثمانية وقتل أنور باشا، الذي أعلن تلك البشرى، على سفح تلة تبعد آلاف الكيلومترات من وطنه ودُفن بثيابه الملطخة بالدماء تطبيقا للعادة في دفن الشهداء.
تصريحات قادة اليوم بشأن سوريا والاتحاد الديمقراطي تذكرني إلى حد كبير ببشرى أنور باشا. فحماس “أيها السادة صار لديكم طفل” والسعادة، التي تحاول الإختباء خلف الترهات، تشبه كثيرا بهجة الإتحاديين. فهم يواصلون الحديث عن الخطوط الحمراء كالضفدع المتباهي. هل بإمكان دول أن تكون لها خطوط حمراء في مكان لا تستطيع الذهاب إليه؟ قاموا باختيار بعض المناطق شمال سوريا وأعلنوها خطوطا حمراء. وحسب ما يدعيه أصحاب السلطات فإن أعزاز خط أحمر.
هل تستطيع الذهاب إلى أعزاز؟ لا.
هل بإمكان جنودك الذهاب إلى هناك؟ لا.
هل بإمكان طائراتك الذهاب إليها؟ لا.
هل يستطيع دبلوماسيوك الذهاب إليها؟ لا.
لم تبق هناك دولة لم تتوسلوا إليها كي تتمكنوا من الذهاب إلى هناك؟ تقولون لهم “هيا بنا نذهب إلى هناك سويا” ولكن لا أحد يأتي معكم. شهدت تركيا أياما صعبة جدا لكن أن تيأس وتثير الشفقة بهذا القدر فهو قليلا ما حدث في الواقع. فسلطة اليوم بحاجة إلى كارثة مثلما فعل الإتحاديون. يتمنون العثور على كارثة بالخارج حتى يجعلوا الناس ينسون المشاكل في الداخل.
هذا العلاج هو أسلوب يرى أن قطع رأس من يعاني من ألم فيه يقضي على الألم. فالإتحاديون من خلال هذا الأسلوب قضوا على جميع آلام العثمانيين بقتلهم. أعضاء حكومة العدالة والتنمية هم من يصارعون من أجل القضاء على دولة اليوم.
يدعون أنهم سيدخلون سوريا…
هذه ليست معركة تركيا بل هي معركة أصحاب السلطة الذين ينتقلون من فشل إلى فشل آخر وهم تعودوا على العنف ويبحثون عن ضربة ذهبية أخيرة حتى يصلوا إلى القمة في العنف.
من الذي ستحاربه في سوريا؟ يقولون إنهم سيحاربون داعش. حسنا هل سيكون الأكراد والروس وقوات الأسد، الذين يحاربون داعش أيضا في سوريا، حلفاء لك في هذه الحرب؟ أم أنك ستحاربهم أيضا أثناء حربك داعش في الوقت نفسه؟
هل سمعتم إجابة هذا السؤال من أحد الرجال الذين يعتقدون أنهم يديرون الدولة اليوم؟ هل ستتحالف معك روسيا التي أسقطتَ طائرتها والأكراد الذين تواصل قصفهم ونظام الأسد الذي تسعى لإسقاطه بدعم جميع صفوف الجهاديين على مدار 5 سنوات؟ إن كنت ستتحالف معهم فلماذا هاجمتهم إذن؟
لماذا لا تزال تهاجمهم؟ إن كنت ستقاتل معهم عند دخولك سوريا فلماذا لا يواجههم حلفاؤك في الناتو، الذي يقول إنك عاجز عن إدارة دولتك، ويغتنمون الفرصة لنشوب حرب عالمية أخرى؟ هل هناك إجابة لكل هذه الأسئلة؟ لا.
هل بإمكانك أن تقنع العالم بأنك ستحارب داعش وانت لا تنزعج من كونه قريبا منك وتقصف في الوقت نفسه الأكراد الذين يحاربون داعش ويجعلونه يتراجع حتى تعثر على حلفاء يقفون بجانبك في هذه الحرب؟ فكل الديكتاتوريين الفشلة عثروا في النهاية على كارثة بالخارج. وهكذا قضي على الإتحاديين والمجلس العسكري اليوناني وهتلر وصدام والمجلس العسكري الأرجنتيني. جميعهم رحلوا نتيجة مثل هذه الكوارث. لكن دولهم عانت من آلام وأضرار كبيرة.
وتركيا أيضا تقترب خطوة بخطوة إلى كارثة مثيلة. لأن تركيا اليوم تُدار بنظام غير قانوني يُدعى “الرئاسة الفعلية” وعندما يكون أساس النظام غير شرعي فإن النظام بأكمله سيصبح غير شرعي. فطالما لم يتراجع أردوغان عن إختراق الحدود الدستورية وإنشاء “الرئاسة الفعلية” لن تنعم تركيا بالإستقرار ولن تنتهي الكوارث داخل هذا البلد. خذوا هذا المقال وأخفوه ودعونا نناقشه بعد عام إن كنا حينها لا نزال على قيد الحياة.
أقولها صراحة تركيا لن تنعم بالهدوء مع هذه السلطة.
في عام 2010 كنا أكثر دول الشرق الأوسط تبجيلا وقوة. لأننا كنا الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي بإمكانها الترشح للإتحاد الأوروبي والاقتراب من الديمقراطية. وحظينا باحترام وتقدير العالم كله والشرق الأوسط. وأصبحنا على ما نحن عليه اليوم بعدما ترك أردوغان الاتحاد الأوروبي جانبا وسعى للحصول على القيادة السنية للشرق الأوسط.
أردوغان يعرف كيف يفوز بالانتخابات لكنه لا يعرف كيف يدير الدولة.
تعرفون حكاية “تلميذ الساحر” كانت له موسيقى مشهورة جدا. قرر التلميذ بعد مدة أنه تعلم جميع حيل أستاذه وقال”أصبحت أستاذا”. وذات يوم ذهب الساحر إلى القرية وطلب من الصبي تنظيف الكوخ. وبعد رحيل الساحر قال الصبي:”لماذا سأنظفه بنفسي وأنا أعرف السحر. سأجعل السحر ينظف المنزل وسأنام أنا”. وبعبارات سحرية أمر الدلاء والمكانس بنقل المياه من النبع وتنظيف المنزل. وباشرت الدلاء بإحضار المياه وبدأت المكنسات بكنس الكوخ.
وبمرور الوقت أخذت الدلاء تحضر الماء إلى الكوخ بسرعة. وبدأت الكوخ يمتلأ بالمياه رويدا رويدا. فأراد الصبي إيقاف الدلاء لكنه أدرك أنه تعلم الكلمة السحرية التي ترسلها إلى المياه ولم يتعلم الكلمة السحرية لإيقافها. أردوغان أيضا تعلم الكلمة السحرية التي أوصتله إلى سدة الحكم والتي مكنته من خرق الدستور وممارسة الرئاسة الفعلية لكنه لم يستطع تعلّم إدارة الدولة بعدل وسلام. لأنه مثل ذلك الصبي يعتقد نفسه أستاذا من الناحية السياسية.
الدولة الآن في حالة فوضى والدماء تسيل بالدلاء والعائلات تُقتل وقرى الأكراد تُدمر والدبابات تدخل الأحياء والمستثمرون يهربون من تركيا والسياحة تنتهي والاقتصاد ينهار والحرب تدق أبوابنا ونختلف مع كل قوى العالم وكلما نمد يدنا إلي الشرق الأوسط يهرب منا.ولا يعلم أردوغان، الذي لم يتراجع بأي شكل من الأشكال عن نظام الرئاسة الفعلية، بماذا سيوقف هذه المصائب.