شانلي أورفا (تركيا) (زمان عربي) – نتوجه اليوم إلى بلدة “بيريجيك” بمدينة شانلي أورفا جنوب شرق تركيا الواقعة ما وراء المياه حيث الأزقة الضيقة الممتد تاريخها على مدى العصور الطويلة على شاطئ نهر الفرات.. والناس أصحاب الصدور الرحبة القاطنين في تلك الأزقة الضيقة.. والأزقة التي تضم منازل يفوح منها عبق التاريخ.. والأراضي التي تجلب إليها طيور أبي المنجل البركة والخصوبة.
وتقع بلدة بيريجيك على الشاطئ الجنوبي لنهر الفرات الذي يفصل منطقة جنوب شرق الأناضول عن غربه. والجسر الذي يضطر كل مَنْ يريد المرور إلى الجنوب أن يمر عليه هو جسر بيريجيك.
تقع بلدة بيريجيك على طرف الجسر، ونحن على الطرف الآخر منه. وهناك منازل بيريجيك المشيدة على هضاب من الجير الأبيض على جانب الفرات. ويقع على أعلى نقطة على هذه الهضبة الجيرية قلعة بيريجيك المتكئة على الفرات.
والقلعة متكاملة من ناحية كونها رمزًا للمدينة واسمًا لها. وأطلق العرب على المنطقة اسم “بيريه” (Bireh) بسبب هذه القلعة، فيما استخدم العثمانيون كلمة “بيريجيك” (Birecik) التي تعني القلعة الصغيرة. وهي تحمل الاسم الذي أطلقه العثمانيون حتى اليوم.
والآن نسير نحو الجانب المقابل حيث نشاهد تدفق مياه نهر الفرات من أعلى الجسر. وعلى الرغم من أنه لم يبق المجد والبهاء القديم للفرات القاسي بلغة الأغاني الذي كان يمنح الحياة تارة وتسلبها تارة أخرى إلا أنه لا يزال يتدفق من قلب إلى آخر دون أن يفقد شيئا من هيبته وعظمته.
والآن نمر إلى الجهة الأخرى من المياه حيث نشاهد مياه الفرات التي تذكرنا بالأزمان الغابرة وقلعة بيريجيك والجامع الكبير.
أول شيء يقابلنا في المنطقة هو تمثال طيور أبي منجل التي تُعد رمزا لبلدة بيريجيك.
وعندما نغوص في أعماق التاريخ نجد أن بيريجيك احتضنت الكثير من الحضارات منذ العصور القديمة بفضل موقعها. إذ يمكننا أن نطالع في المصادر أن الآشوريين والحثيين والرومان والعرب والأرتوقيين والعثمانيين حكموا تلك المنطقة.
وقبل أن نغوص في تاريخ البلدة ونحكي عنها ففي الحقيقة، سكان بيريجيك يعرفون كرم الضيافة ويظهر ذلك في كل منزل من منازلها بالفعل كما هو مكتوب على النصب التذكاري المقام في ميدان البلدة. والإدارات المحلية هي خير مثال على هذا الكرم.
وإذا ذهبتم إلى أي مكان في منطقة الأناضول ستجدون حتما أناسا يفتحون لكم قلوبهم قبل بيوتهم بعدما يحيونكم بأحر التحيات.
لقد تم ترميم مسجد البرج التاريخي الموجود بالقرب من باب أورفا وتم تحويله إلى مبنى لتلقي واجب العزاء. ويستخدم اليوم هذا المسجد الذي شيده السلطان المملوكي قايتباي عام 1482 لتلقي العزاء.
وبعدما نصول ونجول في أزقة البلدة التاريخية نمر إلى الأماكن الموجود بها طائر أبي منجل التي تقع خارج البلدة إلى حد ما. وكلما سرنا على ساحل الفرات نشعر أننا نسير على ساحل منطقة أُسكودار بإسطنبول. والحدائق الممتدة على طول النهر تتيح إمكانية مشاهدة إيقاعات الفرات في الأزمان الغابرة، حيث تقوم طيور أبي المنجل الصاعدة من النهر بمرافقتكم مع هذه الأغنية التي تعود بكم للماضي البعيد.
والآن نتوجه إلى محطة تربية وحماية طيور أبي المنجل التي تُعد رمزًا للبركة. حيث تتم حماية هذه الطيور التي انقرضت فصيلتها من العالم في تلك المنطقة. أما عن السبب في تفضيل الطيور هذا المكان فهو أن ثمة أهمية كبيرة للأحجار الجيرية الموجودة في الصخور.
كما يتم تنظيم مهرجان لطيور أبي المنجل والبيئة في شهر مايو/ أيار بسبب تطابق هذه الطيور مع البلدة.
أما قلعة “بيريجيك” التي تلفت الانتباه إليها من جميع أرجائها فهي مشيدة على كتلة صخرية عالية، وتتميز بموقع يطل على نهر الفرات وسهل بيريجيك.
وجامع أولو “الكبير” الموجود في سفح القلعة لا يزال يدعو الناس لزيارته. أما جامع “التكية” فيقع على بعد منه إلى حد ما.