جوست لاجنديك
أسفر اجتماع “مجموعة دعم سوريا” الدولي الذي عُقد صباح الجمعة الماضي في مدينة ميونيخ الألمانية عن الاتفاق على وقف إطلاق النار في أنحاء سوريا كافة، بدءا من نهاية الأسبوع، وإدخال المعونات والاحتياجات اللازمة إلى المدن المحاصرة.
إذا طُبق هذا الاتفاق، فقد تُستأنف مباحثات جنيف التي ترعاها الأمم المتحدة بعد مدة قصيرة. لكن ثمة عوامل كثيرة تستدعي الشكوك. فأمريكا وروسيا لم تتفقا بعد على تحديد المجموعات الإرهابية. وهذه مسألة في غاية الخطورة. إذ إن تشريع استمرار استهداف المجموعات عبر الغارات الجوية مرهون بالاتفاق بينهما. وهذا يعني الاستمرار بالحرب. كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يكيل بمكيالين في سوريا منذ بداية أزمتها.
في حين أن الطائرات الروسية تقصف قوات المعارضة بدل أن تستهدف داعش. وكانت الغارات الروسية الأخيرة هي السبب الرئيس في فشل مباحثاتها مع أمريكا في جنيف.
ومن ناحية أخرى قد يكون آن الأوان من أجل تحقيق مكاسب عبر وقف إطلاق النار رسميا بعد الانتصارات العسكرية التي حققها بشار وأسياده الروس في الآونة الأخيرة وخصوصا في حلب.
شارك في المباحثات الثوار السوريون الذين يحاولون الصمود في وجه الغارات الأخيرة، والقوى الخارجية التي تدعمهم، حيث لم يبق بيد هؤلاء المزيد من الخيارات.
كما أن أنقرة والرياض تعلنان صراحة عن نيتهما في التدخل العسكري البري في شمال سوريا. ولكن من الصعوبة بمكان أن تخوض السعودية حربين في آن معا (حيث إنها غارقة في مستنقع الحرب اليمنية الآن)، وكذلك لا يمكن لتركيا أن تتدخل دون حصولها على ضوء أخضر من الناتو. ولذلك لا أحد يأبه بهذه النوايا.
لعبت أمريكا بكل أوراقها في سوريا من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي، ولم تفكر بالتدخل العسكري حتى بعد انتهاك خطها الأحمر في استخدام السلاح الكيميائي من قبل النظام السوري.
فإذا لم تكن واشنطن تنوي دراسة الخيارات العسكرية، فليس أمام وزير خارجيتها جون كيري إلا القبول بمقترحات نظيره الروسي سيرجي لافروف.
وتشتد الغارات السورية الروسية الغاشمة على حلب. وكان مايكل إيجناتيف وليون ويسيلتير وصفا حلب في مقالهما الناري الصادر بالواشنطن بوست الأسبوع الماضي، بأنها “سراي بوسنة جديدة” و”سربرنيتسا جديدة”. وادعيا بأن سياسة أمريكا في سوريا أفلست أخلاقيا، وطالبا بالتدخل الأمريكي الفوري دون أي تلكُّؤ لوقف الظلم. والغريب أنهما دعيا إلى إنشاء منطقة حظر للطيران تمتد من حلب إلى تركيا، وذلك انطلاقا من رغبة تركيا. ودعيا أمريكا إلى منع جميع الأطراف بما فيها روسيا من قصف اللاجئين.
والسؤال هنا هل ستلقى هذه الدعوات آذانا صاغية لدى الإدارة الأمريكية. حيث إن خبير الشأن السوري شادي حميد من معهد بروكينجز -الذي يدعو أمريكا منذ وقت طويل للعب دور أكبر- لديه شكوك في هذا الموضوع.
وكان شادي حميد قد ذكر في تحليل سابق له حول سياسيات أمريكا في سوريا ما يلي:
“إن تأنِّي أوباما ليس وليد المصادفة. فمهما بلغت أوجه الخطأ والمخاطر فيه إلا أن فيه شيئا من المنطق. فذلك ناجم عن الاعتقاد بأن استخدام القوة الأمريكية لن يؤدي إلا إلى تعقيد الأمور”.
وأخشى أن يكون حميد على حق في كل ما قاله. فهذا يعني أنه إذا لم تتغير سياسة أمريكا إزاء سوريا تغييرا جذريا، فإن سرعة ووجهة أي حل للمأساة السورية سيحددهما السلوك الروسي الهزلي المدروس.