من دروس الأستاذ فتح الله كولن
سؤال: إن ديننا الإسلام زاخرٌ بالمبادئِ الكفيلةِ بمواصلةِ الحياةِ في “توازنٍ” تامٍ، وانطلاقًا من ذلك فهل تُقيِّمون مكانَ الدولة ووضعها في العلاقة مع المجتمع؟
الجواب: قُدِّست الدول تقديسًا بيِّنًا وواضحًا في بعض مراحل التاريخ الإنساني، ومن ذلك على سبيل المثال أنَّ “الإمبراطورية الرومانية” تحوَّلت إلى “الإمبراطورية الرومانية المقدسة” على يد بعض رجالات الدين الذين كانوا خاضعين لسلطة القصر وضغوطه؛ سجلها التاريخ كنموذج للنظام الثيوقراطي[1].
ونظام الحكم في الإمبراطورية الرومانية المقدسة لم يتأسَّس اعتمادًا على النصوص والمصادر الإلهية، بل ارتَكَزَ على مجموعة من القوانين الوضعيّة التي نتجت عن اجتهادات بعضِ رجال الدين بحسب ظروف تلك الفترة؛ وذلك لأنَّ الهيمنة السياسيّة على الدولة كانت حكرًا في يدِ طائفةِ الرهبان، وتعتمد على رفعة سُلْطَةِ آباء الكنيسة، وهو ما يذكرنا بـ”النظام الثيوقراطي”، والواقع يثبتُ أنَّ الدولة قُدِّست في المراحل التاريخية التالية لذلك أيضًا؛ حتى إنَّ بعض الأوساط قدّست الدولة وعظّمتها كمجرد ردِّ فعلٍ على الهجمات التي تتعرَّضُ لها الدولةُ والحكومةُ في مناطق جغرافية مختلفة، بل وحتى في بعض الدول التي يمثل المسلمون الأغلبية فيها.
غاية الدولة المثاليةِ
يحدث هذا مع أنه لا وجود في الإسلام لصنف مثل ما ذُكر أعلاه، والقوانينُ التي يصدرها رجال الدين وفقًا لأهوائهم ورغباتهم ليست ملزمة على الإطلاق، كما أنّها ليست “نصًّا” إلهيًّا.. وكما أنّه لا وجود لطائفة مقدَّسة في الإسلام؛ فلا مكان فيه أيضًا لفكرة “الدولة المقدسة”.
أضِفْ إلى ذلك أن الدولة ليست غايةً في نظام الفكرِ الإسلامي، وإنما هي وسيلةٌ تساعدُ الناس على الوصولِ إلى سعادةِ الدارين، وواجبها تهيئةُ الأرضيةِ والمناخِ المناسب لإقامة حياة يتسنى للناس فيها إدراك الطمأنينة والسعادة في كلتا الدارين.
علاوة على ذلك فإنّ النظام الذي نطلق عليه اسم “الدولة” هو -بالنظر إلى النتيجة- اسمٌ لنظام كوّنه الناس فيما بينهم، وبالتالي فإنّ تلك الدولة تكُون قريبةً من الحق والحقيقة بقَدرِ قُربِ مَنْ كوَّنوا ذلك النظامَ منهما، وتَكُونُ بعيدة عن الحق والقانون بقَدرِ بُعدِهم عنهما.
وقد لا تستطيع كل دولة الوفاء بواجبها دائمًا على أتمّ وجه، أو ربما تُقصِّر في أداء واجبها، ولقد ارتكبت الدول بعضَ الأخطاء في شتَّى العصور باستثناء عصر الخلفاء الراشدين، وقد قَصَّر الأمويّون أيضًا، والعباسيون كذلك، وكما أخطأ الإلخانيون والقراخانيّون والزنكيون والأيوبيّون والسلاجقة في واجب الدولة فإن العثمانيين الذين كانوا وسيلة لهبوبِ نسماتِ الأمن والطمأنينة في بقعةٍ جغرافية واسعة طيلة أربعة قرون وقعوا هم أيضًا ببعض التقصيرات والأخطاء في أداء واجبهم كدولة.
الفوضى لا تقودُ إلى النظام
وهنا يجب النظر إلى هذه المسألة نظرةً شموليَّة ووفقًا للمبادئ العامة دون إفراطٍ أو تفريطٍ، فكما أنَّ الإسلام حين يتناول الإنسان كفردٍ يُشيدُ بأفعاله الخيّرة ويكافئُه عليها، وينهاه عن المنكرات، ويذكِّره بعقوبَتِها وعاقِبَتِها؛ فإنَّه لا يحكم في الوقت نفسه عليه بالفناء التامِّ لارتكابه مجموعةً من الأخطاء، ومن ذلك على سبيل المثال أنَّ المؤمن قد يخطئ، وقد يقعُ في الذنوب ويرتكب أعمالًا قبيحة؛ إلا أنَّه لا يُكفَّرُ ولا يُطرَدُ من دائرة الإيمان لمجرد أنَّه ارتكب تلك الأعمالَ المُشينة، فهو مؤمن طالما لم يعتقد أنَّ ما ارتكبه حلالٌ وجائزٌ، غير أنّه يكون مؤمنًا فاسقًا، أو مؤمنًا فاجرًا، أو مؤمنًا ظالمًا بحسب ما قارفَ من الذنوب، وهكذا الشعبُ والدولةُ أيضًا؛ فهما يتشكّلان من أولئك الأفراد الذين يُصيبون ويُخطئون، وبالتالي فقد يكون للدولة إجراءات وأعمال جميلة للغاية تُهنَّأُ عليها، وأخطاء وعيوب تحتاج إلى تصويب وإصلاحٍ، مَثَلُها في ذلك مثل الأفراد تمامًا.
ومتى رَعَتْ أيّةُ دولة الحقَّ والقانون والعدالةَ احتُرِمَت، وبُورِكت أعمالها وإجراءاتها، ولقيت الدعم والمساندة، غير أنها إذا ما ظلمت وجَاهرت بالظلم فإنه لا يصح السكوت على ذلك بحُجَّة “أنَّ الدولة مقدسة، ويجب احترامها!”، بل يجب بذل الجهد من أجل منع الظلم والجور في إطار القوانين والأنظمة الدستورية، غير أنه لا بدّ من الانتباه ومراعاةِ أقصى درجات الحَذَرِ في هذه النقطة؛ لأنه يجب في أثناء محاولة إصلاح أيِّ خطإٍ في القضايا المتعلقة بالمجتمع كله ألَّا يُفتح السبيل والمجالُ أمام حدوث أخطاء أخرى، وألَّا ينتج عن ذلك تكوُّنُ دائرةٍ من الأخطاء، وبينما نُحاولُ إصلاحَ الأخطاء الإداريّة علينا أن نتجنَّبَ شتى الأسبابِ المفضيةِ إلى تكدير الأمن والسِّلْم العام؛ فهذا مرفوض تمامًا ولا يمكن اللجوء إلى أيّ طريق غير مشروع؛ إذ إنَّ المؤمن هو إنسان الأمن والأمان؛ وممثل السِّلم والطمأنينة، وهو يتحرك دائمًا في إطار القوانين والقواعد، ويعلم أنَّ الفوضى لا تقود إلى النظام، ولا سبيل إلى النظام إلا بالانتظام، وإن كنتم تنشدون الترتيبَ والنظامَ والسّلامَ؛ فسانِدوا النظامَ وانتظِموا به، ولا تخرجوا عن أُطُرِهِ أبدًا.
وبالنظر إلى الأمر من هذه الزاوية فإنه يجب على القلب المؤمن أن يساعد النظامَ والانتظام دائمًا مهما كانت الظروف، وأن يقدم للدولة التي ينتمي إليها كلَّ ما يستطيعه من أنواع الدعم فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار والسِّلم، وعليه أن يقطعَ الطريق على الأرواح الفوضوية الراغبة في الإضرار بالدولة وإضعافِها واستغلالِ ضعفِها كي تسلُبها بعضَ الأشياء، فإن حدثت الفوضى في البلاد، وسادَ الشغب والاضطراب في عمومِ أرجائها خسرَ الجميع، وراحت سيول الفوضى تجرف الجميع أمامها فلا تبقى دولة ولا شعب -حفظنا الله-، ثم إنَّكم لن تستطيعوا مواجهةَ تلك التخريبات مرة أخرى، وفي الوقت نفسه فإنكم وإنْ كانت لديكم أفكار أكثر استنارة ومشاريع أكثر بريقًا تصب في صالح الدولة لكنكم تعجزون عن تحقيقها على تلك الأرضية الهشّة؛ فعليكم أن تبدؤوا مباشرةً من النقطة الأقربِ إلى الأفضل إن كنتم تريدون المُضيَّ قُدُمًا في طريق الكمال، إذ يستحيل أن تبلغوا غايته بعد إشاعة الفوضى؛ لأنَّ الوصولَ إلى الكمال ونيلَ ما هو أفضل أمرٌ يحدث تدريجيًّا؛ حيث يتحقق الاقتراب نحو الأكمل خطوة خطوة؛ فتكتمل الخطوة، وتليها خطوة أخرى أكمل، فواحدة أخرى أكثر كمالًا، وهكذا دواليك… ومن ثمَّ فإنَّه ينبغي أن يكون شعارُ المؤمن هو مساندة الدولة في إصلاح الأخطاء، والوقوف بجانبها، وإن كان لديه مشروع يَعِدُ بمستقبلٍ طيب تقاسَمَه مع رجال الدولة.
هل الدولة ضدنا؟
ربما تقولون: “إنَّ في أجهزة الدولة مَنْ يعارضون حتى أكثرَ الحركات إيجابية وفائدة، ويحقدون حتى على أكثر الخدمات إخلاصًا وسلامة!”؛ ولكنني أنا شخصيًّا لست على قناعة بأن المؤسسات التي تشكل الدولة تقفُ ضدّنا أو ضد هذا وذاك، وإنما يوجد في بعض المؤسسات أفرادٌ يهرفون بما لا يعرفون، ويرفعون أصواتهم دائمًا ويصرخون، تسبقُ ضوضاؤُهم وضجيجُهم أعمالَهم وفعالياتِهم فيبدون وكأنهم هم الدولة، ولكن الدولة ليست هي من يقفُ ضدَّكم، وإنما هي مجموعةٌ من أصحاب المصالح الشخصية تنكَّرَت في زِيِّ الدولة وخدعت الشعب، وبالتالي فإنَّ رؤية مؤسسة مهمّة للغاية وكأنها ضدكم خطأٌ عظيم، وتقبيحُ تلك المؤسسة انطلاقًا من خطإٍ كهذا وانتقادها دائمًا وتشويهها خطأٌ عظيم ثانٍ.
ومن جانب آخر فإنَّ رجال الدولة الذين يحبون بلدهم وشعبهم ويتحركون في إطار القانون العالمي لا يعارضون أيّ نشاط جميل تقومون به، بل إنهم يشجعونه ويدعمونه، لأنهم يعرفون معرفة تامة أننا -والحمد لله- أناس تنبضُ قلوبهم وتخفق أفئدتهم حبًّا لشعبهم، لا يفكِّرون في شيء سوى خدمة أمتهم والإنسانية جمعاء، أما أصحاب الادعاءات والافتراءات ضدنا فإنني أدعوهم أن يُثْبِتُوا ما يزعمونه إن كانوا صادقين.. فليُثْبِتُوا إن كنَّا تشوَّفنا لأية مصلحة، عندها نرتحل نحن إلى ما وراء جبل “قاف”، ونسكن هناك فيتخلصوا منَّا، غير أنه لن يستطيع أحدٌ على الإطلاق إثبات ما هو مزعوم؛ لأننا لا نتشوف للمنفعة والمصلحة الشخصية ولو مثقال ذرة، وليس ثمة شيء نحرصُ على طلبه ونطمعُ في نيله سوى رضا الله تعالى، ولم نفكِّرْ أصلًا في تحصيل ذلك الرضا بطريق آخر غير إعلاء اسم الله تعالى كالراية التي ترفرف خفاقة في كل أرجاء العالم، وليعلم الجميع هذا، ولتسمعه الدنيا قاطبة مرة أخرى، فالحمد لله نحن أنقياء وجباهُنا طاهرة؛ ولا ولن نرغب -بإذن الله- في أي شيء ونحن نسير في طريق خدمة أمتنا والإنسانية سوى أن يتفضَّلَ الله تعالى علينا بقوله: “إنّي راضٍ عنكم”.
ومن هذه الناحية فإنَّ اعتراضَ هذا الطريق ووضعَ العصيِّ في عجلاتِ هذه المسيرة ليسَ شيئًا مقبولًا على الإطلاق، وإن كان في الدولة بعض أصحاب العقول المريضة ممن يرون الفضائل وكأنها ملكهم الخاص بتأثير مجموعة من النزوات وبعض المشاعر الوضيعة، ويفكرون قائلين: “مَنْ يكونُ فلان ذلك حتى ينجح هكذا في إنجاز أعمال على مستوى عالمي؟ يجب أن يُنسب إلينا كلُّ ما تحقق ويتحقق من إنجازات ونجاحات في أي مكان بالعالم، وأن يُقدَّمَ على أنه من آثارنا وأعمالنا نحن فقط”، ويعجزون عن تحمُّلِ مزايا غيرهم وفضائلهم فهم الحاسدون المنزعجون المتضايقون، وهكذا فإنه ليس سليمًا ولا صحيحًا الانزلاق في أفكار سلبية حول مؤسسة الدولة العظيمة تأثرًا ببضع شائعات مغرضة تشهيرية وموقفٍ قبيحٍ تتَّخِذُهُ أقلِّيَّة حاكمة في هذا الشأن.
الاتهامات والغربة
سؤال: سيدي الفاضل! إن كان هذا هو رأيكم -رغمَ أنكم تتعرضون بسببه لانتقادات لاذعة ومؤلمة من بعض الملتزمين دينيًّا- بشأن الدولة ورجالها؛ فكيف تقيّمون ما يوجَّهُ إليكم من اتهام بأنك: “رجل تسعى لتقسيم الدولة”؟
الجواب: إنني لستُ أوَّلَ مظلوم في هذا الأمر، ولن أكون الأخير أيضًا؛ فتاريخ الإنسانية مليءٌ بهذا النوع من المظلومين، ومن ذلك على سبيل المثال سيدنا نوح عليه السلام؛ إذ إنَّه اصطبر على الخروج في رحلة بحرية مخيفة ومهولة بعد ما لقيه من قومه في البَرِّ؛ فواصلَ السير في طريقه بحرًا حيث مُنع من المسير فيه برًّا، وغادر البلاد التي نشأ وترعرع فيها، واستقر على قمّةِ جبلٍ راضيًا بقضاءِ الله وقدره، وكذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام فقد عاش مراحلَ هجرةٍ مقدَّسة دون توقفٍ طافَ خلالها بلاد بابل والحجاز وكنعان، كما هاجر سيدنا موسى عليه السلام من منزل أمه إلى قصر فرعون وهو لا يزال رضيعًا في أول المهد، ثم تردد مرتحلًا بين مصر والأيكة (مدين)، وسيدنا المسيح عيسى عليه السلام بدأ رحلته وهو لا يزال في حضن أمه مريم البتول، ومرَّ هو الآخر من كلِّ الجسور التي مر منها الأنبياء السابقون، وهناك بعض الأنبياء كسيدنا زكريا وسيدنا يحيى عليهما السلام عزّت عليهما الهجرة ولم يجدا الإمكانية لذلك؛ فنالَا شرفَ الشهادةِ حيث تمَّ الإمساكُ بهما، وأما سيدنا رسول الله عليه أكمل الصلوات والتحيات فقد غادرَ مكة المكرمة عندما حانَ موعدُ الهجرة المقدسة التي هي قدرٌ يشترك فيه الأنبياء والأولياء، فاستدار وألقى نظرةَ الوداعِ على ربوعِ وطنِهِ مكة، وقال: أَمَا وَاللَّهِ لأَخْرُجُ مِنْكِ وَإِنِّي لأَعْلَمُ أَنَّكِ أَحَبُّ بِلادِ اللَّهِ إِلَيَّ وَأَكْرَمُهُ عَلَى اللَّهِ؛ وَلَوْلا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مَا خَرَجْتُ“[2]، ثم تابع طريقَه إلى بلاد الهجرة متأثِّـرًا محزونًا…
أجل، إن الراحلين في سبيلِ إعلاءِ كلمةِ اللهِ لم يفارقْهم الألـمُ والبلاءُ لحظةً من اللحظات؛ فقد أُسيئتْ معاملة الإمام أبي حنيفة النعمان، وزُجَّ به في السجون، فعاشَ فيها يَئِنُّ ويتألم… والإمام أحمد بن حنبل ظلَّ يُؤذَى سنواتٍ ذواتِ عدد وكأنه شخص حقير، ولم يبق نوع من أنواع التعذيب الدنيئة إلا وتعرض له… وأُجبر الإمام السرخسي على أن يؤلف في قاع البئر الذي حُبِسَ فيه كتابه الشهير “المبسوط”… وبديع الزمان سعيد النورسي الذي قال تعبيرًا عما لقيه وتعرض له من إيذاءٍ وقسوةٍ وغلظةٍ: “لم أذق طوال عمري البالغ نيّفًا وثمانين سنةً شيئًا من لذائذ الدنيا؛ قضيت حياتي في ساحات الحرب، وزنزاناتِ الأَسر، أو سجون الوطن ومَحاكمِ البلاد؛ لم يبق صنف من الآلام والمصاعب إلا وتجرّعتُه، عوملتُ في المحاكم العسكرية العرفية معاملة المجرمين، ونُفيت وغُرِّبْتُ في أرجاء البلاد كالمشرّدين، وحُرِمْتُ من مخالطة الناس في زنزانات البلاد شهورًا، وعُرِّضْتُ للتسميم مرارًا، وعُرِّضْتُ لإهانات متـنوِّعة”[3].
وهكذا، معاناة ومكابدة وغربة… ذلك هو القَدَرُ المشترَكُ لكلِّ من يسلك طريقَ تبليغ وتمثيل الحق والعدل، والظلمُ الذي أَقَعُ تحت وطأته حاليًّا يُشْبِهُ تقريبًا ما تعرَّضَ له أسلافُنا جميعًا، وثمة أمرٌ يحسُنُ توضيحُهُ لِبَعْضِ ضِعافِ الفهمِ أو لِلمَهَرَةِ في التحريفِ والتزييفِ ألا وهو: أنني لستُ أرى نفسي في مقام الأنبياء أو الأولياء الذين ذكرتُهم آنفًا هنا، وإنما أُذكِّرُ بأسمائهم وما عانوه وعاشوه فحسب؛ لأنهم القدوة والمرشد بالنسبة لكل مؤمن، واتّباعُ منهجهم ومحاولةُ اقتفاء آثارهم في حياتنا وسيلةُ نجاتنا وفَلاحِنا.
إنني إنسان بسيطٌ أُدركُ جيِّدًا مدى عجزي وضعفي، ولذلك فإنَّه طبيعيٌ أنْ أتأثَّرَ ببالغِ الحزنِ من بعضِ الاتهامات وأن تستثقلَها روحي تمامًا، غير أنه وبالرغم من كل شيء ينبغي للمؤمن أن يتخلَّقَ بأخلاقِ الله، فالله تعالى يرأفُ ويلطُفُ حتى بعبادِهِ العاصين المذنبين المخطئين ويرزقُهم ويُطْعِمُهم ويسقيهم، وعلى العبدِ المؤمنِ أيضًا أن ينظرَ ويقتربَ إلى الآخرين من هذه الزاوية، وينبغي له حتى حين يتأزَّمُ ويسأمُ للغاية في مواجهة المظالم والجور والاستبداد أنْ يكِل إلى الله تعالى فحسب أمرَ من يُعادُونَهُ ويُخاصِمونه؛ فيلجأ إليه سبحانه قائلًا: “اللهم إنني أُحِيلُ إليك أمرَ من يُعادون أهلَ الإيمان ويبغضونهم”، وعليه أن يهتمَّ بواجباتِهِ دون أن يأبَهَ بهذا وذاك، ودون أن يشغل عقلَه وبالَهُ بهم، وأنْ يواصل السير في الطريق الصحيح منتصبًا صامدًا كالألِفِ.
[1] الثيوقراطيَّة: مذهب يقوم على تعليل السلطة السياسيَّة لدى الجماعة على أساس الاعتقاد الدينيّ ومنها نظريَّة “الحقّ الإلهيّ” في الحكم التي تعتبر أنّ الله عزّ وجل مصدرٌ للسلطة، وأنّ الحاكم بمثابة ظلِّ الله على الأرض، وتقوم الثيوقراطيّة على أساس العنصريّة.
[2] مصنّف عبد الرزاق، 26/5؛ مسند الإمام أحمد، 13/31؛ أبو يعلى الموصلي؛ المسند، 69/5.
[3] سعيد النورسي: السيرة الذاتية، ص 491.
من موقع herkul.org