عمر نور الدين
بينما يتصاعد الجدل حول إمكانية عودة العلاقات بين مصر وتركيا إلى سابق عهدها ليأتي تصريح جديد من الرئيس رجب طيب أردوغان ليعقد الموقف ويثير غضب الشعب المصري ونوابه في البرلمان .. كان هناك موضوع آخر يشغل المصريين بتطوراته والجدل حوله أكثر من شؤون السياسة أو الحديث عن مصالحة بين مصر وأردوغان.. وهو موضوع يتكرر في مثل هذا الوقت من كل عام من جانب ألتراس أهلاوي وهم رابطة من جمهور الأهلي وألتراس وايت نايتس من مشجعي نادي الزمالك أكبر ناديين في مصر.
وكان قدر مصر أن تبتلى بروابط الألتراس ذات المفهوم الخاطئ عن لغة التشجيع في عالم كرة القدم، وكان الأسوأ أن هذه الروابط تحولت إلى أدوات في أيدي بعض الجماعات لتشكل عن طريقها أدوات ضغط على الدولة بسبب قدرتهم الفائقة على إحداث الفوضي في أي مكان يحلون به، ولأنهم يمتلكون قدرات عجيبة على الحشد باستغلال التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي ولهم آلياتهم وافكارهم التي تقنع قطاعا لابأس به من الناس بأنهم أصحاب قضية، بينما القضية في الأساس هي لعبة وكرة يجري خلفها عشرة لاعبين من أجل إسكانها الشباك.
بدأت روابط مشجعي الأندية المعروفة بالألتراس تظهر في مصر عام 2007 استنساخا من روابط التشجيع في أوروبا، لكنها ارتبطت في مصر بأحداث جسام بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2011، لعل أبرزهما وأكثرهما جسامة مذبحة استاد بورسعيد التي راح ضحيتها 72 من مشجعي الأهلي خلال مباراته مع المصري البورسعيدي في أول فبراير/ شباط 2012 في الدوري العام لتصبح قضية ثأر أريد بها أن تتحول إلى حرج نازف بين هؤلاء الشباب والدولة ولاسيما جهازها الأمني المتهم بنظرهم بالمسؤولية عن هذه الجريمة على الرغم من صدور أحكام بالاعدام بحق 11 من المتهمين فيها.
أما الثانية فكانت حادثة استاد الدفاع الجوي في 8 فبراير/ شباط 2015 والتي فقد فيها 22 من جمهور نادي الزمالك أرواحهم أثناء تدافعهم لدخول الاستاد لحضور مباراة فريقهم مع فريق إنبي بعد أن كانت أجهزة الدولة تسعى للسماح بعودة الجماهير إلى ملاعب كرة القدم منذ منع حضورة عقب مأساة بورسعيد.
وفي كل عام يجدد الجمهور الذكرى ولكن بنوع من الاحتفالات التي لا تخلو من العنف ومحاولة الصدام مع الأمن وتوجيه السباب والإهانات إلى أجهزة الدولة ورفع شعار الكرة للجماهير للمطالبة بعودة جمهور الكرة إلى الملاعب.
وهذا العام تزامن أسبوع الألتراس في مصر مع مباراة قمة الدوري الممتاز في دوره الأول بين الأهلي والزمالك لترتفع درجة حماسة الألتراس والمخاوف من حالات الشغب والفوضى في الأندية.
السيسي يتدخل
وكالعادة كل عام جاءت تصرفات الألتراس اضبة وصاخبة وأمام هذا الفعل المتكرر قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يتدخل على خط الأزمة لينهيها من جذورها بدعوة 10 من الشباب العقلاء بالألتراس لتشكيل لجنة للاطلاع على كل ما تم من إجراءات بشأن قضية أحداث بورسعيد، لكن كالعادة وبسبب الانقسام على موقف الألتراس في المجتمع المصري انقسم الإعلاميون والخبراء حول دعوة السيسي فاعتبر فريق أنه يقدم تناولات للألتراس واعتبر البعض أنه يمنحهم حق التدخل في عمل القضاء ما دفعه مرة أخرى إلى توضيح أن اللجنة التي طالب بتشكيلها لم يكن الهدف منها مراجعة أعمال القضاء أو التدخل فيه لكن كان الهدف هو الاطلاع بكل شفافية على إجراءات الدولة في قضية من القضايا المشتعلة التي تتسبب في حالة من عدم الاستقرار في المجتمع مشددا أكثر من مرة على أنه في الأحداث لتي تحدث في الزحام غالبا ما تضيع الحقيقة.
ولم يتوقف الأمر عند حد هذه الانقسام أو عند الرد الذي اعتبر غريبا من جانب الألتراس على دعوة رئيس الجمهورية بمواصلة نغمة اتهام الدولة دون السعي للاطلع على الحقيقة، بل إن أهالي بوسعيد خرجوا في مظاهرات وحاولوا وفتحوا استاد بورسعيد المغلق منذ 4 سنوات وهتفوا مطالبين السيسي بأن يأخذ حقهم من الألتراس الذي تسبب في إغلاق الاستاد وفرض حالة الطوارئ في بلدهم وقت الأحداث واتهامهم بأنهم شعب من القتلة.
الألتراس في مصر ليس إفرازا من إفرازات ثورة يناير لأنه سابق عليها، لكنه جرى التلاعب به وتوظيفه في أحداث تم إلصاقها بالثورة إما لأغراض انتهازية أو لتشويه الثورة نفسها، لكن تبقى ظاهرة مثيرة للانقسام بين من يعتبر أنهم حفنة من الشباب الخارج على القانون ومن يعتبر أنهم ” أبناؤنا” ويجب علينا الاستماع إليهم.. لكنها باتت ظاهرة مرتبطة بصفحة من تاريخ مصر المعاصر لن يتم الحكم عليها الآن.