فاتح صينار
لدى عودته من السعودية أخبرنا رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو خبرا “سارا” حول بلدة سور التاريخية بديار بكر. فقد أفاد بأنه ثمة خطط تهدف لجعل سور مثل توليدو أو ” طليطلة” الإسبانية في عمارتها، وسيرغب الجميع بمشاهدتها. قال كلاما جيدا، منوها بأن نسيج المدينة قد تفتت. كان محقا، ولكن المدينة لم تكن مجرد مسرح للآثار المعمارية فقط، بل يجب إعادة تأهيلها بسكانها، وليس بمجرد توقيع مشروع لترميم آثارها.
من المعروف أن الأناضول من أولى المناطق التي شهدت استيطانا بشريا في العالم. فمنذ آلاف السنين هُجرت بعض مدنها، واستمرت غيرها بوجودها مضيفة إلى هويتها طابع كل من استوطنها.
وهناك كثير من هذه المدن كأنطاكيا وإسطنبول وسلجوق، فعلى سبيل المثال بلدة “حسن كيف” التي تعد إحدى أقدم المستوطنات البشرية في الأناضول. وقريبا سيُقضى على 8 آلاف سنة من تاريخها، في سبيل 60 سنة فقط (لأن السد الذي سيشيد في المنطقة عمره 60 سنة على أعلى تقدير).
هكذا هي مدينة ديار بكر. فقد وصلت إلى يومنا هذا مع آثار تعود إلى كل العصور السابقة. ولكنها تشهد حربا اليوم. حيث قُصفت المدارس، وذُعر أطفال سور. ومات بعض الناس وهم يتناولون وجبة الفطور. كما أُطلقت النيران على الجوامع والكنائس. واضطر سكّان المدينة إلى النزوح عن مساكنهم.
فلنذهب إلى توليد ونلقي نظرة عليها
توليدو مدينة يفتخر بها الإسبان. وهي في الحقيقة توفر لزوارها أجواء قصصية موروثة من عبق التاريخ. وقد تعرضت لترميم حافظ على رونقها الذي لم يتغير منذ قرون. وتنتشر في أزقتها الكنائس والجوامع إلى جانب كاتدرائياتها. فرموز الأديان الثلاثة لا تزال موجودة في هذه المدينة. ولكن ماذا عن الناس؟
قبل 5 قرون من الآن احتلت إسبانيا الكاثوليكية آخر معقل لمسلمي الأندلس وهي غرناطة. وبعد ذلك أصبحت تحكم شبه الجزيرة الكبيرة بلا منازع. وقضت على حكومة غير كاثوليكية كانت موجودة هناك.
وكانت توليدو عاصمة الدولة آنذاك… وبعد سياسات استمرت لمدة قرن تم تهجير المسلمين واليهود، أو تم دمجهم في المجتمع المسيحي الكاثوليكي.
ومن ثم نُفي كل من لم يستطع إثبات انتمائه للمسيحية إلى خارج شبه الجزيرة. وخلال مدة قصيرة مُسحت الجهود الثقافية التي استمرت قرونا عديدة. وأصبحت إسبانيا بأكملها كاثوليكية، بما في ذلك توليدو.
وبعد قرون عدة كشفت إسبانيا النقاب عن الآثار المتبقية من عصور الثقافات المتعددة، وبدأت تهتم بها. فرممتها واتخذت في بعض المباني الحديثة طرازا معماريا أندلسي الطابع.
كما عرفت كاتدرائية قرطبة بأنها مسجد. وأظهرت مدينةَ توليدو على أنها مدينة من العصور الوسطى يعيش فيها أتباع الديانات الثلاث بسلام. وجمعت بين نجمة داود والهلال والصليب.
وبذلك وصلت رموز هذا التنوع إلى يومنا هذا، وأصبحت توليدو مدينة يرغب الجميع برؤيتها. أما الناس الذين يعيشون في سلام فقد بقوا في الماضي.
فلنعد إلى ديار بكر من جديد
توجد كنيسة سورب جيراجوس الأرمنية في ديار بكر. وكنيسة مار بتيوم الكلدانية التي بقيت أمانة في ديار بكر. كما توجد كنيسة مريم العذراء للسريانيين. وكانت هذه المعابد تشهد جماعات قبل قرن من الزمن. ولكنها اليوم تتوق لتلك الأيام. وقد هُجر بعضها ونبتت الأعشاب فيها حتى عهد قريب. ومن ثم أعيد ترميمها بوصفها من تراث المدينة.
لكن ديار بكر تمر بأيام عصيبة في الوقت الراهن. فسكانها يهجرون مساكنهم القديمة. حيث تُقصف فيها الجوامع والكنائس والفنادق والبيوت.
ولكن داود أوغلو أفاد لدى عودته من السعودية، بأن ديار بكر ستُرمم بالكامل، حيث قال: “ستُرمم البيوت والجوامع والكنائس والخانات في ديار بكر دون أن يُمس الطراز المعماري بأذى. وسنعيد تشييد بلدة سور، بحيث ستصبح مثل توليدو في عمارتها، وسيرغب الجميع بمشاهدتها”.
فالجوامع والكنائس والفنادق والقصور، والناس من مختلف الأديان والقوميات كانوا يعيشون بسلام في هذه المدينة. كما في توليدو وإسطنبول.
ولكن علينا أن نتذكر بأنهم لم يعيشوا بسلام دائما.