توضح الكاتبة ياسمين جوليتشيوز في كتابها الأخير بعنوان “الحجاب حرية” معنى الحجاب، حيث ترى جوليتشيوز أن المحافظة على اللسان من الغيبة وحماية القلب من المحرمات وعدم مد اليد و اللسان إلى كل ما هو حرام يندرج أيضا في معنى الحجاب الحقيقي.
يرتبط مصطلح الحجاب في المجتماعات عموما بتغطية الرأس. لكن ألا يجب تغطية كافة أعضاء الجسد من باب التقوى؟
الأيات الكريمة وتطبيقات سيد الخلق – صلى الله عليه وسلم – ترشدنا إلى حقيقة الأمور، وتضع حدودا في استخدام الروائح والعطور ومستحضرات التجميل والغزل أثناء الكلام وغيرها من الأفعال والأطوار. فهذه هي القواعد المتبعة على مدار 1350 عام. فمفهوم كلمة الحجاب واسع جدا.
إن تغطية الرأس هي النتيجة والثمرة في الواقع، فالحركات والسلوك والنظرات واللباس كلها في حدود الحجاب. فقد تناول الأستاذ بديع الزمان هذه الأمور في “رسالة الحجاب” على أساس أنها من موجبات الفطرة البشرية، ونرى أن الحجاب غير مقتصر على المجتمعات الإسلامية فقط بل هي علامات فطرية لسائر البشر من دون النظر إلى الدين أو العرق أو اللغة. فالحجاب موجود لدى المسيحيات أيضا لأنه موجود بالفعل في الفطرة النسائية.
إذن هل يشمل معنى الحجاب طريقة الكلام أيضا؟
الكلمات التي يستخدمها الإنسان وأسلوب حديثه مهم جدا، ويندرج في معنى الحجاب المعنوي. ومحافظة اللسان من الغيبة وحماية القلب من المحرمات وعدم مد اليد واللسان إلى كل ما هو حرام يندرج أيضا في معنى الحجاب.
عند ذكر الحجاب يتراود إلى الأذهان تستر المرأة وحدها في حين أن التستر سار أيضا للرجال. إذن كيف ينبغي فهم معنى التستر بالنسبة للرجال؟
هناك تعبير لبديع الزمان سعيد النورسي وهو “رجل واحد فقط من كل عشرين رجلا لا يرى أجمل من زوجته من بين النساء”. لكن النساء في مأمن أكثر من الرجال فيما يتعلق بالتحكم على أنفسهن في موضوع النظر إلى الحرام. فسورة النور تخاطب الرجال أولا في آياتها المتعلقة بغض البصر عن الحرام في قوله تعالى “قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ”. ثم نزلت الآيات التي تخص النساء لاحقا. والرسول عليه الصلاة والسلام نصح صحابته بتعليم نساءهم سورة النور. وهناك فقرة في كتاب “اللمعات” لبديع الزمان سعيد النورسي يقول فيه الأستاذ “إن تحول السفهاء من الرجال إلى نساء بسبب شهواتهم حينها يتحول النساء غير المحتشمات إلى رجال لقلة حيائهن”. فالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وخطابات العلماء توضح أنه يجب على الرجال أن يكونوا أكثر حذرا في هذا الموضوع.
من ناحية العادات والتقاليد تعتبر كل من تغطي رأسها من النساء متدينة. وهل هناك أي تناقض في هذا الأمر؟
الحكم على الناس بمجرد النظر إلى الغطاء على رؤوسهم أصبح شيئا تقليديا. فلكي نحكم على شيئ لا بد من النظر إلى الجوهر أكثر من المظهر. فسيدنا عمر له قصة مثيرة في هذا الشأن. حيث سأل الخليفة وهو تمثال العدل أحد الشهود قائلا في دعوى قضائي: “هل تعرف الشخص الذي ستشهد له”؟ فأجابه الرجل: “أعرفه من الجامع فأنا رأيته يصلي” فقال له عمر “هل سافرت معه؟ هل تاجرت معه؟ هل جاورته”؟ فأجاب الرجل بالنفي على هذه الأسئلة الثلاثة فقال له عمر “إذن فأنت لا تعرفه”.
كل ما في الأمر هو أنه أثناء فترة حظر الحجاب في الجامعات في تركيا في ثمانينات القرن الماضي كانت هناك أستاذة لنا لا تغطي رأسها وأخرى كانت مواظبة على أداء الصلاة فالتي لم تكن متحجبة ساعدتني أكثر من الثانية التي تواظب على الصلوات. والأولى كانت تنزعج عندما أذهب إليها لأشرح لها بعض مشاكلي وأطلب عونها، فالثانية كانت تسمح لي بالدخول في محاضراتها وترفض الظلم الذي كان يتعرض له الطالبات المحجبات والأخرى كانت تتجنب من الظهور مع المحجبات في نفس المكان.
أحد أكثر الموضوعات المتداولة في يومنا هذا هو الحجاب والموضة. هل موضة في الحجاب أيضا؟
بمرور الوقت تتكشف الخطوط العريضة، فليس هناك زي رسمي للحجاب في ديننا. ولكن وضعت حدود رئيسية له وهي ألا يكون اللباس ضيقا وألا يشف الجسد ولا يصف ما تغطيه. الموضة هي مصطلح يتسع نطاقه بسرعة مع زيادة وسائل الاتصال والانتشار الاقتصادي الاستهلاكي. وتتشكّل موضة للحجاب كذلك. فتؤسس مواقع ومصانع ومجلات خاصة بملابس الحجاب. لكن في ظل هذا يجب مراعاة شروط ذلك، حيث تدفع ثروات أحيانا لشراء بعض المنتجات تحت مسمى الموضة ويبادر الناس بشراء ملابس جديدة قبل أن تبلى الملابس التي سبق شراءها.
كما نشاهد اليوم تجاوزات في الحجاب بفعل الموضة، فقد أصبحت حدود الحجاب أكثر ضيقا، فالملابس أصبحت شفافة وضيقة وأصبحت الأكمام وأرجل البناطيل قصيرة أكثر مع أن شروط الحجاب معروفة جرت تطبيقها على مدار 14 قرنا.
هناك من يحاول حاليا على التوفيق بين الحجاب والموضة، وفي الواقع هما أمران منفصلان عن بعضهما البعض. وهذا مظهر آخر لمحاولات تفريغ الحجاب من مغزاه.