يشار ياكيش
تستقر روسيا أكثر فأكثر في سوريا كلما سنحت لها الفرصة. وقد زار وفد عسكري روسي مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا بتاريخ 16 يناير/ كانون الثاني 2016. ومدينة القامشلي تقع قبالة بلدة نصيبين التركية.
إن المعلومات الواردة بشأن هدف الوفد الروسي متناقضة، لكن هذه التطورات تثير القلق بالنسبة لتركيا، أيا كانت وجهة النظر. علما بأن أسوأ الاحتمالات هو سعي روسيا لمحاصرة تركيا تدريجيا من الجهة الجنوبية أيضا. فكيف ذلك؟ فكما أسس الناتو في مرحلة سابقة منشآت بنية تحتية عسكرية في المحافظات الجنوبية الشرقية من تركيا، وكذلك إنشاء ما يشبه ذلك في سوريا لمواجهة تركيا العضو في الناتو.
فإذا أنشأت روسيا قاعدة عسكرية في القامشلي، تكون قد أصابت عدة أهداف بسهم واحد:
1-قطع مرحلة مهمة وجديدة في تمركزها على الأراضي السورية. ولا ندري إلى أي مدى ستستمر في هذا التمركز. ولكن يمكننا أن نفترض بأن هذا التمركز سيستمر ما دامت الأزمة السورية قائمة.
2- القامشلي منطقة يتواجد فيها النظام السوري والقوات الكردية (الاتحاد الديمقراطي وحماية الشعب). علما أن الوفد الروسي التقى بسمؤولين من النظام السوري، والقيادات الكردية. فإذا تمركزت روسيا في القامشلي سيحصل الأكراد على دعم قوي ما كانوا ليحلموا به حتى في الآونة الأخيرة.
3- إن القواعد العسكرية المهمة لدى الناتو في بعض المناطق التركية مثل إينجيرليك وكوريجيك، وبرينتشليك قريبة جدا من القامشلي. فبرينتشليك تبعد عن القامشلي 130 كم فقط، أي مقدار 10 دقائق من الطيران. وبذلك ستصبح المنطقة من المناطق التي تتواجد فيها منشآت عسكرية تابعة للناتو وروسيا بحيث تكون قريبة من بعضها.
ومن التطورات المهمة التي شهدتها المنطقة: وردت أنباء عن تمركز قوات أمريكية في مطار رميلان الذي يبعد 100 كم شرقا عن مطار القامشلي. إلا أن المسؤولين الأمريكيين نفوا هذه الأنباء، ولكن حتى لو لم يحدث ذلك، فثمة قناعة غير مؤكدة بأن القوات الأمريكية تمارس أنشطة مختلفة في ذلك المطار.
فإذا ثبتت صحة الخبرين فذلك يعني أن أمريكا وروسيا قد تمركزتا في مطارين المسافة بينهما 100 كم فقط، في حادثة هي الأولى من نوعها. ومع استمرار تهديدات داعش، يمكن لهاتين الدولتين الاستمرار في تعاونهما ولو كان شكليا. في حين لا يمكن تخمين سير هذا التعاون بعد أن تتضاءل تهديدات داعش. ولكن من الممكن أن نتوقع استمرار هاتين الدولتين بدعم الأكراد في الشمال السوري. وذلك لأنهما تدعمان الأكراد وإن كانت أسباب الدعم مختلفة لدى كل منهما. فأمريكا تقدم الدعم للأكراد لأنها بحاجة إلى حليف لمحاربة داعش بريا، والأكراد هم الأنسب لهذه المهمة.
أما الأهداف الروسية فهي أكثر تنوعا: هدفها البعيد هو تأسيس بنية عسكرية أقوى في سوريا. ومكافحة القوات المعارضة للنظام، وثمة ذريعة واحدة فقط لتمركز روسيا في سوريا. فقد تنصب أولية روسيا في مكافحة معارضي النظام السوري، على التخلص من الإرهابيين القادمين من شمال القوقاز . أما مكافحة داعش فهو هدف ثانوي بالنسبة لروسيا.
كما أن هناك أكثر من سبب يدعو روسيا لدعم الأكراد:
1- إن روسيا أيضا كأمريكا ترى في الأكراد الحليف الأنسب لتحقيق مصالحها في المنطقة.
2-الأكراد قوة محلية مهمة في أزمات سوريا والعراق. وبالتالي فتعاون روسيا مع الأكراد يتيح لها إمكانيات جديدة في المستقبل.
3-يمكن لروسيا استخدام ورقة الأكراد كوسيلة ضغط على تركيا.
وإن توافق المصالح الأمريكية والروسية في مساعدة الأكراد، يعدُّ من سوء حظ تركيا. في حين أن محاولة تركيا لثني هاتين القوتين العظميين عن سياساتهما، محاولة من الصعب أن تأتي بنتائج إيجابية. ولم يبد أثناء زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإسطنبول في نهاية الأسبوع الماضي، أي دليل يدل على تقدم في هذا الشأن.