بقلم: شاهين ألباي
من المعلوم أن أحزاب المعارضة في تركيا لا تريد انتقال البلاد من النظام البرلماني إلى الرئاسي. ومعظم أفراد الشعب بمن فيهم ناخبو العدالة والتنمية الحاكم لا يريدون ذلك أيضاً.
أما رئيس الوزراء أحمد داودأوغلو فقد بدأ يقدّم دعمه للنظام الرئاسي مؤخراً. في حين أن الرئيس رجب طيب أردوغان مصر كل الإصرار على النظام الرئاسي الذي يصفه بـ”النكهة التركية” مدفوعاً بالدعم غير المشروط الذي يقدمه له أنصاره.
وكُنت قد ذكرت في مقال سابق لي بجريدة “زمان” في 9 يناير/كانون الثاني، أن هذا الإصرار هو اعتراف وإقرار بضعف السلطة الحاكمة في البلاد.
ومع أن المزاعم الواردة حول تعطّل النظام البرلماني وما ينجم عنه من التعطّل البنيوي لأجهزة الدولة تحوّلت إلى ذريعة تغطّي على ضعف الحكومة أمام المشاكل الداخلية والخارجية المتزايدة؛ لكن خلوق أوزدالجا، النائب السابق من صفوف الحزب الحاكم، لفت في تحليل سابق له إلى ضرورة البحث عن سبب هذا الإصرار في موضع آخر.
ولابدّ أن أعيد إلى أذهانكم أن أوزدالجا بدأ رحلته السياسية مع حزب اليسار الديمقراطي، ومن ثم انتقل إلى الحزب الجمهوري ليكون عضواً في مجلسه الإداري، وبعد ذلك انضمّ إلى العدالة والتنمية الحاكم بناء على دعوةِ أردوغان، وأصبح عضواً برلمانياً لدورتين برلمانيتين. وبالتالي فهو يتمتع بخبرة سياسية غنية مرموقة. وعلى الرغم من أنه مهندس، إلا أنه قد يكون أحد أكثر البرلمانيين قراءةً وكتابةً في السياسة.
وهو يفسر إصرار أردوغان على النظام الرئاسي كما يلي: “إن أردوغان هو أكثر السياسيين خبرة في طبيعة الحياة الحزبية، فهو ذو خبرة عملية في آلية العمل الحزبي. لا يزال تأثيره قائماً في العدالة والتنمية، فهو يعلم أن الموازين الداخلية في الحزب من الممكن أن تتغير على نحو غير متوقع. كما يرى أن تأثيره في الحزب مع عدم كونه عضواً فيه، سيخفّ تدريجياً، حسبما تقتضيه طبيعة الحياة السياسية. ولذلك فإن المشكلة الأساسية بالنسبة لأردوغان هي “وجود زعامتين”، أو الازدواجية في الحزب وبالتالي في السلطة. وهي المشكلة التي لايُعلم متى وكيف ستظهر وكيف ستؤدّي إلى أزمة داخلية في الحزب. أي أن أردوغان يفكر في كل ما يمكنه القيام به للحيلولة دون هذه الازدواجية من أجل الحفاظ على تأثيره في الحزب.فإذا استطاع تطبيق النظام الرئاسي، لن تكون هناك مشكلة بالنسبة له. ولكن إذا لم يتمكن من ذلك، فسوف يرضى حتى بتغيير الحكم الدستوري الذي يُلزم الرئيس بالحياد وعدم الانتساب إلى أي حزب، وفتح المجال أمام عضويته في العدالة والتنمية مع شغله منصب الرئاسة على الأقل. ولذلك يجيب أردوغان على سؤال مفاده “هل يمكن للرئيس، مع الحفاظ على انتسابه لحزبه، أن يصلح التعطّل البنيوي لأجهزة الدولة؟” كما يلي: “بالطبع يمكن أن يحقّق ذلك، وسبب طرحي هذا الموضوع للنقاش يعود إلى اعتقادي بإمكانية تخطّي هذه المشلكة بهذه الطريقة، يجب إزالة الازدواجية في الحكم. وإلا فقد تظهر مشاكل من وقت لآخر، مع مرور الوقت، مهما بلغت المحبة بين زملائكم في الحزب، ومهما كنتم جنباً إلى جنب في الماضي”.
وأفاد أوزدالجا بأن أردوغان من الممكن أن يلجأ إلى انتخابات مبكرة جديدة خلال هذا الصيف من أجل هذه الغاية؛ وأنا أراه مصيباً في استنتاجه هذا. ولكن من المحتمل أن أردوغان يرى أن الخطر الذي يداهمه في طريقه إلى ترسيخ” نظام الحكم الفردي” لا يكمن في أحزاب المعارضة، ولا حتى في داودأوغلو، بل في توصل شخص آخر أو مجموعة سياسية لأخرى داخل الحزب إلى الزعامة.
أحزاب المعارضة تبدو غيرَ قادرة على تغيير مقدرات الوطن؛ فحزب الشعب الجمهوري مقتصر على شريحة معينة من الشعب فقط لا يتجاوزها. أما حزب الحركة القومية، فيعمل وكأنه ظلّ العدالة والتنمية وطوع أمره يخدم مصالحه، وحتى لو تغيرت إدارته، فيكاد يستحيل أن تتغير عقليته. بينما حزب الشعوب الديمقراطي الذي بقي بين مطرقة العدالة والتنمية وسندان العمال الكردستاني – للأسف الشديد – بات يواجه خطر النزول إلى ما دون العتبة الانتخابية.
وفي الوقت الراهن لا يُرى هناك احتمال “خروج” على أردوغان في صفوف العدالة والتنمية. ولكن المشاكل الداخلية والخارجية تتفاقم تدريجياً. وقد يكون ذلك (خروج داخلي في الحزب) هو الأمل الوحيد بالنسبة لتركيا. ولعلّ هذا هو السبب الأساسي الذي يقف وراء غضب أردوغان المتزايد على المثقّفين المعارضين والإعلام الحر.