كريم بالجي
لدى حديثه عن مشروع تأمين مياه لجمهورية شمال قبرص التركية المعروف بـ”مشروع القرن”، قال نائب رئيس الوزراء التركي المسؤول عن الشؤون القبرصية طوغرول توركش: “إن شاء الله سنمنح المياه للقسم اليوناني من قبرص أيضاً. وإسرائيل أيضا بحاجة للمياه، فسنوفر لها المياه كذلك، ولا بد من ذلك”. ويُقال إن هذا الكلام الجزافي سبّب حرجاً لحزب العدالة والتنمية الحاكم، ولدى كثير من الصحفيين الموالين للحكومة. يا لها من مهزلة!
ولا يظنّنّ أحد أني أستهزئ بهذا المشروع. ذلك أن نظام الأنابيب المعلقة الذي ينقل المياه من سد “آلاكوبرو” في بلدة أنامور بمحافظة مرسين جنوب تركيا إلى سد “جيتشيت كوي” في جمهورية شمال قبرص التركية هو الأول من نوعه في العالم. ولكن هذا النظام من الأنابيب المعلقة لا يستطيع إلا نقل75 مليون متر مكعب من المياه لقبرص الشمالية التركية سنوياً، وكل هذه الكمية من المياه ستستهلك في قبرص الشمالية، الأمر الذي يعني أنه ليست هناك مياه يمكن منحها لقبرص الجنوبية، كما ليس من الممكن نقل مياه منها إلى إسرائيل أيضاً.
يبلغ طول نظام الأنابيب بين “آنامور” وقبرص التركية66.5 كم. وإذا ما أريد إنشاء مثل هذا النظام بين قبرص وإسرائيل فالمسافة بينهما هي 320 كم.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أرقام مشروع نهر “مانافجات” الذي لم تتوصل إسرائيل وتركيا إلى قرار حاسم بشأنه فيما بين 2003-2010، فلا بد أن تكون طلبات إسرائيل من هذا المشروع100 مليون متر مكعب سنوياً على الأقل.
فضلاً عن ذلك فإن هذا الموضوع غير مطروح على جدول الأعمال حالياً. حيث إن إسرائيل تحلي مياه البحر بتكلفة أقل من تكلفة نقل المياه من نهر “مانافجات” التركي. وهي بالطبع لا تستخدم تلك المياه من أجل الشرب، فالعجز الإسرائيلي يكمن في مياه الريّ لا في مياه الشرب.
وسعت إسرائيل إلى الحصول على المياه من تركيا في 2008، حيث أدرجت في جدول أعمالها نقل مياه نهر جيحان إلى حيفا عبر خمس خطوط من الأنابيب المعلقة. وكان هذا المشروع يشمل نقل النفط والغاز الطبيعي من تركيا إلى إسرائيل، وذلك مقابل أن تمد إسرائيل إلى تركيا كابلات الألياف البصرية لنقل المعلومات. وبذلك كانت تكلفة أنابيب نقل المياه ستكون ضمن تكلفة أنابيب نقل النفط والغاز، ذلك لأن تكلفة أنابيب نقل المياه لا يشكل شيئاً يُذكر أمام تكلفة الخطوط الأخرى وصيانتها.
ولكن إسرائيل التي كانت ستستورد الغاز الطبيعي في 2008 أصبحت اليوم تصدر الغاز الطبيعي. فلو أن خطاً مماثلاً حدث اليوم فإن الغاز الطبيعي لن يُنقل من روسيا إلى إسرائيل بل من إسرائيل إلى أوروبا. والمسألة التي ينبغي لتركيا أن تقف عندها هي ليست كيفية تصدير المياه من تركيا إلى إسرائيل، بل كيفية نقل الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا ومنها إلى أوروبا وتمديد الخط إلى الجنوب لاستيراد الغاز الطبيعي من مصر أيضاً.
علما بأن دول المتوسط قد تحتاج إلى مياه الشرب في 2025، وعلى تركيا أن تتجهز لذلك من أجل تصدير المياه إلى هذه الدول. ولكن ينبغي ألا ننسى أن تركيا قد تعاني من شحّ مياه الشرب حينها. وفي 2025 قد تفضل إسرائيل مدّ خط بري من سد “حادثة” في نهر الفرات على استيراد المياه من تركيا عبر أنابيب تحت البحر. وقد تزيد تركيا من ضخّ مياه الفرات وتقدّم إسهاماً للسلام في المنطقة بفضل مياهها.
ولكن لماذا لا يتكلم الآن وزراؤنا الذين التزموا الصمت عندما أعلن وزير المياه الفلسطيني شداد العتيلي العام الماضي أن أنقرة عرضت عليهم نقل المياه من تركيا إلى غزة عبر الناقلات.