عمر نور الدين
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مصالحة وشيكة بين “تركيا أردوغان” ومصر بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي يصفه أردوغان بـ” الانقلابي” وخرجت تسريبات عن احتمال زيارة السيسي لتركيا في أبريل / نيسان المقبل لحضور قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول وتسليم رئاسة دورتها الجديدة إلى أردوغان.. ثم تحدثت صحف تركية عن اتفاق مصالحة تم التوصل إليه بوساطة من السعودية وأطراف أخرى مثل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل تتضمن اعتراف تركيا (أو تحديدا أردوغان) بشرعية نظام السيسي في مصر مقابل عدم تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة من المحاكم بإعدام قيادات جماعة الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم الرئيس الأسبق محمد مرسي الذي أطيح به بعد ثورة شعبية حاشدة على حكمه وجماعته في 30 يونيو / حزيران 2013.
لا يمكن القول بأن جميع هذه التسريبات والاجتهادات الصحفية والإعلامية من نسج الخيال، انطلاقا من قاعدة أنه لا دخان بلا نار، فهناك رغبة من جانب المملكة العربية السعودية في إنهاء القطيعة ” غير المبررة بين تركيا ومصر والتي كان السبب الرئيسي فيها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بمواقفه الحادة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وتدخله في الشؤون المصرية ومحاولة فرض وصايته على الشعب المصري والتمسك بأن مرسي هو الرئيس الشرعي في مصر واحتضانه لقنوات أنشأتها جماعة الإخوان المسلمين في إسطنبول لاعمل لها إلا الهجوم على الإدارة المصرية والتحريض على استهداف الجيش والشرطة ومحاولة إحداث اضطرابات وعدم استقرار في مصر بالإضافة إلى الدور المكمل الذي تلعبه وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الحكومة وأردوغان في هذا الاتجاه، فضلا عن استضافة اجتماعات التنظيم الدولي للإخوان المسلمين وبقايا البرلمان المنحل بحكم قضائي في مصر وغيره من الكيانات من بينها ما يسمى بالمجلس الثوري المصري فضلا عن فتح أبواب تركيا أمام كل من يختلف مع السيسي أو يعارضه.
بالفعل هناك محاولات لطي هذه الصفحة، ربما لا تقابل بتصلب مصري أيضا، لكنها تقابل برفض شعبي واسع لأردوغان شخصيا بسبب ما اعتبره المصريون تدخلا في شأن بلادهم الداخلي وتحريضا على هدم استقرارها رغم ارتباطها بعلاقات تاريخية قوية مع تركيا سابقة على وجود أردوغان وحزب العدالة والتنمية.
توجهت تركيا مضطرة إلى إسرائيل وفتحت لها ذراعيها ووصفها المتحدثون باسم العدالة والتنمية بالدولة الصديقة وووصفوا شعبها بالصديق بعد أن اتهمها أردوغان بأنها دولة إرهابية قاتلة تجيد قتل الأطفال لكنها تحولت بين عشية وضحاها إلى صديق .. لكن الوضع بالنسبة لمصر وشعبها مختلف، فالمصريون أشقاء للأتراك وبينهم روابط دم ونسب وتاريخ مشترك وفي حقب تاريخية كان هناك مصير واحد، وليس بين تركيا ومصر عداوات كالتي يمكن أن تكون بين تركيا وإسرائيل ودين الشعبين واحد هو الإسلام، وبالتالي فإن إصلاح العلاقات مع مصر يرتبط بأن يكون الشعب المصري راضيا ومستعدا للصفح عن أخطاء أردوغان.
تابعت الكثير من تعليقات المواطنين المصريين على الأخبار التي تتابعت في الفترة الأخيرة ، ووجدت أنها جميعها تقريبا تنصب باتجاه ضرورة تقديم أردوغان اعتذارا علنيا لمصر وللرئيس عبد الفتاح السيسي، ولا أعتقد أن أردوغان سيفعل ذلك انطلاقا من طبيعته ومن أيدولوجيته أيضا التي دفعته لفتح الباب لأنشطة معادية لدولة صديقة وكبيرة في منطقتها مثل مصر تحت ادعاء نصرة المظلومين، وهو ادعاء كان يستهدف الناخب التركي بالأساس ولم تعد له حاجة لدى أردوغان أو حزب العدالة والتنمية الآن.
أما عن الموقف الرسمي لمصر فقد كان واضحا ودقيقا في الفصل بين مراسم تسليم وتسلم رئاسة قمة منظمة التعاون الإسلامي حيث قالت وزارة الخارجية المصرية إن هذا أمر بروتوكولي ومصر ستحضر القمة لكن مستوى التمثيل أمر ستحدده الرئاسة المصرية وإن هذا الأمر لاعلاقة له من قريب أو بعيد بالحديث عن مصالحة.. كما نفت من الأساس وجود وساطة سعودية في هذا الأمر.
نعود هنا إلى ما نشرته صحيفة ” جمهوريت ” التركية التي تحدثت عن إتمام مذكرة المصالحة بين تركيا ومصر بوساطة أساسية من السعودية وأدوار وساطة أخرى من الإمارات وإسرائيل وأن الأمر يتعلق باعتراف تركيا بالسيسي رئيسا لمصر وقبول التعامل معه وأن تمنع مصر تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة بحق قادة جماعة الإخوان المسلمين وفي مقدمتهم مرسي.
وبقراءة بسيطة لهذا الخبر يتضح مدى الالتباس وتسطيح الموقف من جانب المجتهدين في وسائل الإعلام من هذا الجانب أو ذاك، فمحاكمة قادة الإخوان المسلمين هي عملية قضائية مستمرة ولم تنته بعد حتى يكون لأحد الحق في التدخل في مسارها، كما أن جماعة الإخوان المسلمين التي تشكل محور موقف أردوغان تجاه السيسي، من منطلق إيديولوجي، صنفت من جانب القضاء المصري كجماعة إرهابية، فضلا عن أن الشعب المصري نفسه بات حساسا جدا تجاه أي حديث عن مصالحة بين الدولة والجماعة، أو عن المصالحة بين مصر والدول التي وقفت ضدها منذ ثورة 30 يونيو/ حزيران 2013، وبخاصة تركيا وقطر، وحساسا أكثر تجاه قبول السيسي مصافحة أردوغان قبل أن يتقدم باعتذار علني عن كل تصريحاته السابقة.
ومما يعزز من افتقاد مثل هذه الاجتهادات الإعلامية والصحفية إلى المعلومات الموثوقة أنه لا يمكن للشعب المصري ولا للنظام المصري الذي تتهمه جماعة الإخوان المسلمين بالعمل لصالح إسرائيل أن يقبل وساطة من إسرائيل مع تركيا، مع الوضع في الاعتبار أن” تركيا العدالة والتنمية” تقبل بلاشك تدخلا مثل هذا من إسرائيل الصديقة.
أما بالنسبة لدور الإمارات العربية في المصالحة، فهو أمر يحتاج إلى الوقوف أمامه قليلا ذلك أن الإمارات نفسها طالها هجوم أردوغان بسبب موقفها من جماعة الإخوان المسلمين ودعمها ثورة المصريين ضد مرسي والجماعة، فضلا عن أنه في الوقت الذي كانت فيه صحيفة” جمهوريت” تتحدث عن دور للإمارات في المصالحة مع مصر كانت وسائل الإعلام القريبة من أردوغان تتحدث عن مخطط دولي للإطاحة به ينفذ بالتعاون بين الإمارات وإيران وروسيا!.
لن نتحدث بالطبع عن شروط مصر للمصالحة مع أردوغان، ولانقول مع تركيا لأنه لا مشكلة بين الشعبين المصري والتركي أو بين قيادات مصر والشعب التركي، وفي مقدمتها وقف بث القنوات الإخوانية المعادية لمصر والمحرضة على عدم الاستقرار فيها، وتسليم المطلوبين بسبب صدور أحكام قضائية ضدهم وإبعاد قيادات الإخوان وإخراج كل الكيانات التي تعمل ضد مصر انطلاقا من تركيا، وفي مقدمة كل ذلك التوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لمصر من جانب أردوغان والدائرة المحيطة به.. وقبل كل ذلك يأتي ما يريده الشعب المصري الذي يطالب أردوغان بالاعتذار العلني والصريح لمصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي وعدم دس أنفه في شؤون مصر.. فهل سيقبل أردوغان؟