ويسل أيهان
طرح الأستاذ فتح الله كولن مؤخراً سؤالاً موجعاً/مؤلماً. ولعل هذا السؤال يمثّل أهم مشاكل المسلمين في القرنين العشرين والحادي والعشرين:
“لو كنتم أناساً نشأتم وترعرعتم في كنيسة أو معبد يهودي، ثم نظرتم إلى ديار التعساء كالقبور المتحركة التي نطلق عليها العالم الإسلامي بمنظار يُظهر الأماكن البعيدة جدًا، هل كان يستيقظ في نفوسكم شعور يحثكم على اختيار الإسلام وإشادته وتبجيله؟ أخاطب بهذا السؤال ضمائركم المنصفة! هل يمكن لغير المسلمين أن يعتنقوا الإسلام وهم يرون وضع العالم الإسلامي الحالي؟ أريد أن أخاطب ضمائركم وأوجه لكم سؤالًا باعتباركم مشاهدين لهذا الوضع الأليم: لو كنتم نشأتم وترعرعتم في كنيسة أو معبد يهودي أو في بيئات وأوساط مختلفة كالبوذية والشنتوية، ثم وضعوا العالم الإسلامي على طاولة التشريح فأطلعوكم على بنيته الداخلية، فرأيتم فيه الناس الذين يأكلون بعضهم بعضًا، والذين لا يميزون بين الحلال والحرام، والذين لا يعترفون بالعدالة والقوانين، والذين يتسمّمون إذا ما سيطروا على السلطة والقوة، والذين يرتكبون كل المساوئ والأخطاء… أريد هنا أن أسألكم: هل كنتم ستختارون الإسلام حقًّا؟”
حقاً إنه لسؤال تاريخيّ. ويمكننا أن نزيد من هذه الأسئلة.
– هل يمكن لأي شخص في العالم أن يتعاطف مع الإسلام حين ينظر إلى الوجه الدموي الظلامي لتنظيم داعش الذي يحمل اسم الله على علمه ولكنه يخون الإسلام؟
– هل يمكن لأي شخص في العالم أن يعتنق الإسلام وهو يشاهد تنظيم القاعدة الذي ينشر الإرهاب ويصوِّر المسلمين على أنهم إرهابيون في كل أنحاء العالم.
– وهل يمكن أن تؤدّي أنشطة تنظيم “بوكو حرا”م في نيجيريا من قتل آلاف الناس وحرق الكنائس واقتحام المدارس وخطف الفتيات إلا إلى تنفير الناس من الإسلام؟
– وهل يمكن للذين يخونون الإسلام في تركيا حيث يرتشون ويسرقون ويحصلون على عمولات ويصادرون أموال الأبرياء دون وجه قانوني أن يثيروا أي تعاطف لدى الآخرين تجاه الدين الإسلامي؟
– وهل يمكن للذين يؤجّجون الحقد والكراهية في المجتمع عبر تصنيف الناس إلى علويين وأرمن وكفار أن يحببوا الإسلام إلى الآخرين؟
– وهل يمكن للذين لا تفتأ ألسنتهم لا قلوبهم عن ذكر عمر بن الخطاب الذي أمر بهدم مسجد لاقتطاعه جزءاً من أرض شخص غير مسلم لكنهم حين تسنح لهم الفرصة يسلبون ويغتصبون أموال المسلمين وممتلكاتهم وكأنهم قطاع طريق أن يحببوا الإسلام إلى الناس؟
الإجابة عن هذه الأسئلة واضحة. والحقيقة المرة هي أنّ: أكبر عدو للإسلام هم المسلمون أنفسهم أو الذين يدعون الإسلام ويتظاهرون به – للأسف الشديد -.
من هم الذين يسعون لتمثيل الوجه المشرق للإسلام على الصعيد العالمي – إن استثنينا حركة الخدمة -؟ نتمنى أن يكونوا كثيرين. ولكن للأسف لا نجد تمثيلاً للإسلام على الصعيد العالمي.
ولذلك فإن أحد علماء جامعة الأزهر الشهيرة في مصر “سيد عبد الباري” شأنه شأن الكثيرين من العلماء والمثقفين الأجلاء وصف حركة الخدمة بأنها تعبّر عن الإسلام الحقيقي من خلال مقاومتها الجرئية ضد التخريب أو الدمير الذي يحدثه الراديكاليون وبرابرة المسلمين.كما وصف عبد الباري مقالة الأستاذ كولن الأخيرة التي نشرتها جريدة “لوموند” الفرنسية بأنها “قائمة الحلول المقترحة للإنسانية التي تتصارع مع الإرهاب”، وأفاد بأن كولن من خلال جرأته وفهمه العميق للإسلام يناهض المجموعات الراديكالية التي تستخدم الإسلام لارتكاب عمليات بربرية.
أما الكاتب الصحفي في جريدة زمان “شاهين ألباي”، المعروف بميوله الليبرالية، فلفت إلى تمثيل حركة الخدمة للقيم العالمية بقوله: “إن كولن هو عالم عزَّ نظيره في العالم الإسلامي برمته؛ لأنه يدافع عن الديمقراطية؛ ودولةِ القانون القائمة على الحقوق الأساسية والحريات العامة؛ والعلمانيةِ الحقة بمعنى حرية الاعتقاد بأي دين أو فكر ما لم يتعارض مع حقوق الإنسان؛ وتقبّلِ واحترام موقف الآخر كما هو مهما كان، أي احترام الفوارق بين الناس؛ وانضمامِ تركيا إلى الاتحاد الأوروبي؛ والاحترامِ المتبادل والتعاون المشترك بين الشعوب ومعتقداتهم؛ ويرى أن العلم لا يناقض الدين؛ ويدعو للتعليم الأكاديمي، وللشرعية في كل الظروف؛ وينبذ العنف بكل صوره.. فهو رائد وقائد اجتماعي قاد فئة دينية لتكون حركة مدنية اجتماعية بمقاييس عالمية من خلال تعاليمه، ودعم تركيا في مجال التعليم، والنهضة، والتكافل الاجتماعي، وجذب الأصدقاء لبلاده من مختلف أنحاء العالم”.
وسبق أن قال ألباي في كولن أيضاً: “لا شك في أن فتح الله كولن قيمة ذات أهمية فائقة بالنسبة لتركيا، لأنه يناهض التعصب والراديكالية، ويرفض التعصب والعنف؛ ويدعو إلى السلام والديمقراطية والعلمانية بوصفها ضناناً لحرية المعتقد، وحقوق الإنسان، والعلم؛ وبالتالي يدعو إلى التفكير النقدي؛ ويؤكّد على الجانب الاجتماعي والمعنوي للإسلام بدلاً من الجانب القانوني. لذا فإن وصف هذه القيمة وهذا الرجل بأنه “زعيم تنظيم إرهابي مسلح”، دون أي دليل ودون الاستناد إلى أي قرار صادر عن جهة قضائية لاشكّ أنه أوضح مؤشر على أننا كدولة نعيش حالة من الجنون”.
حركة الخدمة تفشل الخطة الرامية إلى تصوير كل المسلمين بأنهم إرهابيون. ولذلك فإن جميع بؤر النفاق والفساد في الداخل والخارج تستهدف هذه الحركة.
فماذا عسانا أن نفعل؟ لا يمكنكم أن تقنعوا المفترين الممسوخة فطرتهم بقبول الحقائق. وكما يقول المثل الشعبي: “من يبصق على الريح إنما يبصق على نفسه”. إذن فلا داعي للاكتراث بمثل هؤلاء. فالشمس لا تمتنع عن الشروق لأن الخفاش لا يحبها.