علي أصلان
هل تبحثون عن مثال على تغيير الخطة الأمريكية في الشرق الأوسط خلال عهد إدارة أوباما؟ يكفي لكم أن تنظروا إلى الأزمة التي اندلعت بين السعودية وإيران. لو كانت في عهد أمريكا القديمة لكانت أمريكا تقف بلا تردد إلى جانب الرياض وتنتقد طهران انتقادات لاذعة في كل خلاف ينشب بين السعودية وإيران. أما أمريكا اليوم فتتعامل برفق بالغ مع إيران الشيعية، وتقدم النصح للسعودية السنية بدلا عن مساندتها. وتعمل على رأب الصدع بينهما. فأهلا بكم في الشرق الأوسط الجديد الذي يخطط له أوباما.
إن إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي المعارض آية الله النمر وتغاضي الحكومة الإيرانية عن التهجم على البعثات الدبلوماسية السعودية في إيران كرد على ذلك، ما هو إلا قشة قصمت ظهر البعير.
وإذا ما ركزنا على ذلك فإننا لن نستطيع مشاهدة الأحداث الكبرى. حيث إن السعودية بطبيعة الحال لا تخالف السياسة الأمريكية، فهي تريح أمريكا من خلال تخصيص سواحلها لنشر القواعد الأمريكية، ومن خلال سياساتها في إنتاج النفط، وذلك مقابل الدعم الأمني الذي توفره أمريكا للسعوديين؛ ولكنهم أصبحوا يعانون من الثورات المناوئة لحكمهم في السنوات الأخيرة، إذ إنهم فقدوا الأمل بالإدارة الأمريكية الحالية. ويبدو أنهم قرروا حل مشاكلهم بأنفسهم، على الأقل حتى يتغير الرئيس الأمريكي في العام القادم.
إن أوباما مضطرب جدا في هذه الآونة، لأنه المخطط الأساسي لفكرة تقليل الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط، وترك المشاكل للدول الإقليمية كي تحلها فيما بينها. ذلك لأن الخلافات في المنطقة تزداد كلما انسلت أمريكا منها. ولكنها تنجر لمشاكل الشرق الأوسط يوما بعد يوم مع أنها تفكر في الانسحاب والراحة منه.
في حين أن روسيا التي شعرت باستهتار أوباما أو عدم اكتراثه بدأت تتدخل في المنطقة من الثغرات التي تتركها واشنطن. لذا فإن الرئيس الأمريكي المقبل لن يُضطر للتعامل مع المزيد من المشاكل المتجذرة في الشرق الأوسط فحسب، بل سيُضطر للتعامل مع حقيقة وصول روسيا إلى المياه الدافئة.
وعند الوهلة الأولى يبدو أن خطة أوباما في الشرق الأوسط، عبارة عن مشروع سلمي معقول، وذو نوايا حسنة للغاية. حيث كانت تهدف إلى إخضاع المفاعل النووي الإيراني للرقابة الدولية، والتخلي عن التوتر الدائم من خلال الحوار البنّاء. ولكن لم تُؤخذ بعين الاعتبار ردود فعل الدول السنية المنافسة لإيران ولا سيما السعودية. حيث ظنت الجبهة السنية العربية بأن إيران ستسفيد من حالة عدم النزاع مع الغرب، لتستخدم طاقاتها في التركيز على زيادة نفوذها في المنطقة، وتحقيق مكاسب استراتيجية بحيث يصعب ردها بعد ذلك.
وزادت إيران، التي تحظى بالدعم الروسي، من دعمها للنظام السوري وللمحور الشيعي في اليمن. ولذلك لم يجد السنة صعوبة في الالتفاف حول السعودية. وقد استعرضت السعودية عضلاتها أولا من خلال تشكيل تحالف مكون من 34 دولة إسلامية بينها تركيا لمكافحة داعش. وهذا التحالف عبارة عن حملة من قبيل: “إياك أعني يا داعش، واسمعي يا أمريكا وإيران”.
وبعد الأزمة الأخيرة قامت كل من السعودية والبحرين والسودان بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران. في حين تراجعت العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات وإيران. أي إن أوباما أراد أن يحول دون وقوع صراعات مذهبية، ولكن العكس هو الذي حدث.
ولكن ضعوا أنفسكم مكان السعوديين ولو لمرة واحدة: فأمريكا انتزعت السلطة من الأقلية السنية في العراق بعد احتلاله سنة 2003، وجعلتها بيد الأغلبية الشيعية التابعة لطهران. وبسبب الضغوط الناجمة عن الحكومة الجديدة نشأت حركات إرهابية كبيرة من قبل بعض السنة الراديكاليين. وإن داعش الذي سيطر على أجزاء كبيرة من سوريا والعراق ثمرة تلك الحركات.
في حين أن أمريكا وبحجة مكافحة هذا التنظيم الإرهابي الذي أفسحت المجال لظهوره، قد أهملت دعم محاولة إسقاط النظام السوري الذي يعمل على إبادة السنة. إلا أن إيران لها يد في ذلك أيضا، فهي تدعم مكافحة داعش، وتتنازل قليلا في برنامجها النووي، لترضي أمريكا بعض الشيء وتحظى بحمايتها غير المباشرة. كما أنها تغير الموازين الإقليمية لصالحها شيئا فشيئا. فلو كنتم مكان السعودية ما الذي كنتم ستشعرون به؟ أما كنتم ستحاولون إنقاذ الموقف، وتستنجدوا بأمريكا؟
وبسبب ضعف إدارة أوباما فإن بعض القوى في الشرق الأوسط أصبحت تقود حملات قاسية ولسان حالها يقول “علينا الخروج بكل ما نستطيع تحقيقه من مكاسب”. ومن هذا المنظور يمكننا قراءة التدخلات العسكرية السعودية في اليمن بحيث قد تُعتبر جريمة حرب حسب أعراف الأمم المتحدة. حتى إن محاولات أنقرة في إيجاد قوة عسكرية لها في الموصل قد يكون مرده إلى دوافع شبيهة بذلك.
إن إدارة أوباما لم تتمكن من فرض تأثيرها وزعامتها كدولة عظمى في الشرق الأوسط. بل زادت من الفوضى. ومن الواضح أيضا أن القوى الإقليمية كتركيا والسعودية ومصر وإيران ليس بإمكانها إبراز مثل هذه الزعامة. ولذلك قد تبقى الأمور بيد أمريكا وروسيا. علما بأن غالبية المسؤولين في الخارجية الأمريكية خاب أملهم في أوباما. والأنظار متجهة نحو الرئيس القادم. كما أن الجمهوريين سيرجحون وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون على أوباما، بسبب توقاتعهم على صعيد السياسة الخارجية، مع أن كلينتون لم تصرح بتصريحات إيجابية حتى الآن.
لكن الأمور ستتعقد أكثر إذا تسلم الشعبوي المتطرف دونالد ترامب الذي ليست له خبرة كافية في مجال السياسة زمام الحكم في أمريكا.