كريم بالجي
عندما وقعت أحداث 11 سبتمبر الإرهابية قبل 15 سنة وأخذت أمريكا تتوعد بالانتقام كان هنري كيسينجر الذي حدد وجهة السياسة الخارجية والاستراتيجيات الدفاعية لدى أمريكا لسنوات عديدة قد صرح بما معناه: “إن هذه الحرب ليست حربنا. بل هي حرب داخلية بين المسلمين. فلندعهم يخوضوا حربهم فيما بينهم”.
وأصبح العالم الإسلامي منذ ذلك الوقت مهددا بالصراعات المذهبية أو الفكرية.
وكلما مر يوم أصبحنا أقرب لاحتمال وقوع الصراع. وسيستمر الوضع على ما هو عليه في السنوات القادمة بحيث ستكون الأيام القادمة أسوأ من الأيام المنصرمة.
وإذا حللنا الوضع الراهن بدون هذا العمق التاريخي لظننا بأن الموضوع في كل الأحوال هو عبارة عن صراع قصير وعابر على النفوذ بين إيران والسعودية. ولكنه ليس كذلك، فهذا صراع جهّزنا له جيلا كاملا بكل مؤسساته وبكل أبعاده السياسية.
ولا يمكننا أن نحلل الوضع في مصر، والمرحلة الديكتاتورية التي تمر بها تركيا، ومحاولات التوفيق أو التسوية بين الإسلام السني وبين الإرهاب بكل مؤسساته وهيئاته بمنأى عن هذه المرحلة.
فحين اقتُطعت القرم من أوكرانيا وأُلحقت بروسيا، كنتُ قد ذكرت في مقال لي بأن القوى العظمى لن تكتفي بتغيير طفيف في خريطة المنطقة، فإذا تغيرت الخريطة في موقع واحد ستتغير في مواقع أخرى أيضا.والأحداث التي تجري في سوريا هي جزء من نفس التغييرات الطارئة على خريطة المنطقة، ويتم الآن التمهيد لتغيير الخريطة في الخليج العربي. وستكتمل هذه المرحلة بحلول اتحادات عشائرية وأنظمة على غرار الخلافة في عدة دول، وذلك من خلال اقتسام منابع النفط والغاز الطبيعي، جراء نشر الحروب فيها كما جرى في سوريا.
وإن المطالبة بألا تصبح تركيا طرفا في الصراع، وأن تعمل على المصالحة بين أطراف النزاع، يجعلنا نظن بأننا نتحدث عن صراع لسنا طرفا فيه. ولكننا في الحقيقة بدأنا بدخول المرحلة التي تمر بها سوريا. وفي الوقت الراهن تعمل الدولة نفسها للقضاء على دولتنا الحاضنة لجميع الأقوام التي تعيش داخل حدود تركيا. وفكرة البحث عن بنية إدارية أعلى من الدولة تشغل أذهان الشرائح التي تظن نفسها إسلامية ومثقفة.. فتركيا كانت جزء هذا الصراع قبل إيران والسعودية. كما أن محاولة القضاء على حركة الخدمة هي جزء من هذا الصراع. وإن محاولة جعل الجماعات الدينية تابعة للدولة ورئاسة الشؤون الدينية، وبالتالي العمل على إيجاد ثقافة المبايعة للحكومة.. وكذلك موضوع شاحنات المخابرات التي لا نريد الخوض حتى في الحديث عنها، والعلاقات مع داعش والنصرة، والتدخل في شؤون العراق الداخلية، والتموجات في العلاقات مع إسرائيل، كل ذلك يجب أن يُنظر إليه على أنه جزء من هذه المرحلة.
طبعا أنا لا أقول بأن الإرادة التي أوقعت الفتنة بين إيران والسعودية هي نفس الإرادة التي سلطت الحكومة على حركة الخدمة – مع العلم بأن ذلك قد يكون صحيحا- ولكن تلك الإرادة لا يمكن أن تكون بمنأى عن سياسة الذبح وما نجم عنها من استقطاب اجتماعي. لا بد أنها جعلتها جزءا من خططها.
وقبل كل شيء يجب البدء بمعالجة الجراح من خلال إيقاف العمليات التي ستؤدي إلى القضاء على الروابط الاجتماعية كافة تحت قناع مكافحة العمال الكردستاني، وربما سيستمر علاجها جيلا كاملا.
لقد كان والدي المرحوم يتلقى العلاج من مرض السرطان في نفس القسم الذي يُعالج فيه الأطفال المصابون بسرطان الدم. وكانت قصيدته الأخيرة تتحدث عن أن آلام الأطفال المصابين كانت تنسيه آلامه. وأخبار الجنايات في منطقة بحر إيجه، وأخبار المظالم التي تردنا من جنوب شرق البلاد، والأخبار الأسوأ التي لا تصل إلينا، تنسي المرء همومه مثل آلام الأطفال المصابين بسرطان الدم.
ونحن الآن بحاجة إلى عفو كلي، ولملمة أنفسنا في مختلف الجوانب. وإلا فإن قادة بلدنا اليوم، سيدخلون التاريخ على أنهم القادة الذين قسموا البلد. وسوف يبصق أحفادنا على قبورنا. وسنكون مستحقين لذلك البصاق لكوننا أجدادهم الذين خابوا وخسروا رغم أنهم كانوا في ظروف مهيأة للفوز.