جوكهان باجيك
بعد تصاعد الأزمة بين السعودية وإيران، بات السؤال الذي المطروح على جدول الأعمال مجددا هو:
هل يمكن اندلاع حرب كبيرة في الشرق الأوسط؟ إن الحرب لها قاعدة بسيطة: الحرب تقع إذا لم يكن هناك مجال لتفاديها. ولكن هناك سؤال آخر: ما هو الشيء الذي لا يمكن تفاديه والذي يحرِّض على الحرب؟
إن القوى والبلدان التي ترى أن الحرب هي السبيل الوحيد لحماية مصالحها الاستراتيجية الحيوية تخوض الحرب.
ولكن هل توجد في الشرق الأوسط أمور تهدد مكاسب بعض الدول في مجال الاستراتيجية الحيوية؟ نعم يوجد، وبأعداد كبيرة.
فعلى سبيل المثال روسيا تستهدف تركيا بشكل ممنهج وصريح وتهدد مصالحها الاستراتيجية في المنطقة ولا سيما في سوريا. فروسيا منذ ديسمبر الماضي حتى الآن تعمل على دعم العديد من المجموعات الكردية وخصوصا الاتحاد الديمقراطي لتتوسع في المنطقة الغربية لنهر الفرات. حتى إن طائراتها توفر الحماية الجوية للمجموعات الكردية. فإن استمر الوضع على ما هو عليه فإن تأهب روسيا للتدخل فيما يخص المشكلة الكردية سيؤدي إلى نتائج حرجة ومهمة على المدى البعيد.
ومثل هذا الوضع ينطبق على السعودية أيضا. فهذا الكيان السياسي الذي يحافظ على وجوده من خلال الموازين الدولية والإمكانات المادية، ضعيف جدا إلى درجة أنه لا يملك مقومات الدولة الحيوية كالمواطنة مثلا. فكيف يمكن للسعودية أن تستمر ما دام إنتاج النفط يتراجع؟ والأكثر حرجا هو أن السعودية ستتلقى ضربتين إذا استمرت الانتفاضات الشيعية: الأولى وجود نسبة كبيرة من الشيعة في الولايات الشرقية من السعودية. وهذه المنطقة شهدت انتفاضات غير منقطعة عبر التاريخ.
أما الثانية فهي ضربة إقليمية. فحتى تستمر السعودية بوجودها الحالي، عليها ألا تزيد من التأثيرات الجيوسياسية للحركات الشيعية التي ترتكز على إيران. والأسوأ من ذلك وقوع أحداث شبيهة بذلك في البحرين ذات الأغلبية الشيعية. لذا فقد يكون لسان حال السعوديين يقول: “إن مصالحنا الاستراتيجية الحيوية في خطر. فإن لم نحارب لنهلكنَّ جميعا”.
والأمثلة على ذلك كثيرة. وهي لا تعني بالضرورة أن اندلاع حرب ما أصبحت وشيكة. ولكن علينا أن ندرك أن الشرق الأوسط منطقة غنية بالحروب عبر التاريخ. فالحرب ليست غريبة على أحد في منطقتنا. علما بأن دائرة الأخطار تتوسع بسرعة في المنطقة جراء اضطرار كثير من الدول لخوض حروب محتملة في المنطقة. فعلى سبيل المثال كم يمكن لإيران أن تتحمل التدخل السعودي العسكري في البحرين واليمن ضد السكان الشيعة؟ فكل ذلك بعد مرحلة معينة سيكون من مواضيع الاستراتيجيات الحيوية بالنسبة لبعض الدول.
كما أن هذا الموضوع له بعد اجتماعي أيضا. فالغالبية الساحقة من الأمة الإسلامية في الشرق الأوسط بعيدة كل البعد عن الواقعية. فبغض النظر عن ردود الأفعال على الشيعة الذين يُقتلون في اليمن، نجد جانبا كبيرا من الرأي العام التركي لا يكترث بما يجري في ديار بكر. والأسوأ من ذلك وجود كثير من الناس سيعزون أنفسهم بإلقاء اللائمة على إسرائيل إذا ما حدثت حرب بين السعودية وإيران، وقتل آلاف المسلمين بعضهم بعضا. فأغلب المسلمين إما لا يهتمون بشيء، وإما مؤيدون للحرب. وليس من المستغرب ألا يكون هناك رأي عام يتعاطى بحساسية مع مخاطر حرب مرتقبة في منطقة يموت الأطفال في سواحلها، ويقتل الناس بعضهم بعضا نتيجة الزحام الناجم في أثناء أدائهم مناسك الحج.