حوار: طوبى كابلان
باتت تركيا التي كانت ترفض رفضا قاطعا أي حل في سوريا في ظل بقاء بشار الأسد راضية الآن بمرحلة انتقالية يقودها الأسد. فالتدخل الروسي في الساحة السورية وهجمات داعش في باريس غيرت الموازين في سوريا.
تناولنا مع الصحفي فهيم طاشتكين الخبير في شؤون الشرق الأوسط في الحوار التالي ملامح المرحلة الراهنة والاحتمالات القائمة .
وطاشكين، الذي قضى وقتا طويلا في المنطقة، يخبرنا عن أخبار لا نعلمها في كتابه الجديد “سوريا، دمار وفناء أو مقاومة وبقاء”.
كان كلام أحد المعارضين مؤثرا حين قال: “حلب لن تغفر لكم” مشيرا إلى الدور الذي لعبته تركيا. فقد مات آلاف البشر، ووقعت خسائر مادية ومعنوية. فهل سيغفر السوريون لتركيا؟
لا أظن أنهم سيغفرون بسهولة. فالساسة الأتراك ظنوا المجتمع السوري مجتمعا بدويا. وظنوا أن المخابرات في سوريا هي التي تدير كل شيء. أما تركيا فتحاول أن تصبح نموذجا يُحتذى دون أن تدرك نفسها.
فقد تم تفكيك مصانع في سوريا كانت من أكبر ما يوجد في الشرق الأوسط، على مرأى من الناس، وبيعت في تركيا. وطبعا في الوقت نفسه ثمة اشتباكات كثيفة، وهذا دمار هائل في سوريا. وقد يكون السوريون لمقيمون في تركيا قد تغيرت وجهات نظرهم تجاه تركيا التي فتحت لهم أبوابها وآوتهم. وقد يلتزمون الصمت حيال ما يتعلق بالدولة التي تؤويهم.
ولكن إذا ما تحدثتم إلى أحد من عوام السوريين لقال لكم إن تركيا هي المسؤول الأول عن الدمار الحاصل في سوريا. لذا فإن السوريين لن يغفروا لتركيا.
إن مقولة الساسة الأتراك بأن “الأسد سيرحل في غضون بضع أسابيع” هي الأكثر إغاظة وبقاء في ذاكرة الناس اليوم. من أي نوع من الاستراتيجية كانت هذه حتى تحركت تركيا منطلقة من هذه القناعة؟
إنهم يظنون أنهم يعرفون سوريا والشرق الأوسط جيدا. فمعلوماتهم عن الشرق الأوسط عبارة عن ملاحظاتهم الشخصية أو عن تصورات وآراء بعض المستشارين المقربين من الحكومة الذين لهم علاقات ببعض المنظمات الاجتماعية من أمثال الإخوان المسلمين.
فقد وجدوا أن الديكتاتور قد رحل خلال 11 يوما في مصر، وخلال 15 يوما في تونس. وقالوا في أنفسهم إن الديكتاتور في سوريا سيرحل خلال شهرين لأن فيها جيشا قويا جدا.
لكن حدث ما غفل عنه الجميع. فقد نظم بعض المعارضين للنظام مظاهرات عدة. في حين قامت بعض القنوات كالجزيرة بتضخيم تلك المظاهرات من خلال مقاطع مفبركة. وظنوا أن هناك مظاهرات كبيرة، وأن كل مكان تعرض للدمار.
فقد تظاهر 150 شخصا في سوق الحميدية، ولكن في نشرات الأخبار قيل إن دمشق ثارت برمتها.
وقامت فيما بعد مظاهرات أكبر، ولكن خرجت مسيرات حاشدة مؤيدة للنظام أيضا. فعلى سبيل المثال خرحت مسيرات مؤيدة للنظام على طول ميناء طرطوس لعدة كيلومترات. ولم تكترث أي من وسائل الإعلام في العالم بهذه المسيرة. بل تجاهلتها.
هل سألتم المسؤولين الأتراك عن سبب الفرق بين ما ينتشر إعلاميا وبين مشاهداتكم أنتم؟
تناقشت مع الناطق باسم الوزارة الخارجية التركية لمدة 50 دقيقة عبر الهاتف حين صُرِّح بأن الأسد سيسقط ويرحل خلال شهرين. وقلت له: “إن قصتكم هذه لا محل لها من الإعراب في أرض الواقع. فهذه المعلومات ليست صحيحة”.وكان جوابه: “لا، نحن دولة، ولدينا مخابرات على الساحة”. وذهبت ثانية ورأيت أن ما يحدث على الساحة يخالف ما يدّعونه إعلاميا.
لقد تم تجاوز الخط الأحمر التركي المبني على مقولة “لا يمكن حتى التفاوض مع الأسد أبدا”. فهل سيتم التخلي عن شرط “رحيل الأسد إن عاجلا أو آجلا” أيضا بعد هذه المرحلة؟
تركيا ذهبت إلى ما هو أبعد من الدور المطلوب منها، ورسمت أمامها أهدافا كبيرة. فهل كانت القضية السورية سياسةً من إنتاج تركيا؟ أم كانت سياسة اضطرارية تماشيا مع أمريكا. ولماذا تبنت تركيا ذلك واعتبرته مسألة داخلية فيما بعد؟
إن ذلك عبارة عن مرحلة، فقد عُقد اجتماع هام مع الأمريكيين في الدوحة. وفي الوقت نفسه كانت هناك مباحثات مع رئيس المخابرات الأمريكية. وبعد ذلك الاجتماع قطعت تركيا علاقاتها بدمشق، واعتبرتها عدوا. وصرحت بأن نظام دمشق يجب أن يسقط.
هل مُنحت لتركيا فرصة لتغيير النظام في سوريا؟
عندما لم تتحقق الشروط التي عُرضت على تركيا، توقفت المباحثات. وفي تلك الأثناء ارتُكبت أفظع الجرائم في سوريا، وقُتل الجنود، كما أُحرق وهُدم الكثير من المباني العامة. وتعرض الناس للخطف والقتل. وأُعلن تحرير بعض المناطق.
ألم تدرك تركيا أن هناك قضية إرهابية أيضا في سوريا؟
ادعوا أنهم أجابوا عما يتعلق بالإرهاب أمام الرأي العام. وبعد مدة صرحت الحكومة الأمريكية بأنها تتصرف بالتزامن والتنسيق مع تركيا، وبأن مرحلة التجريد (تجريد النظام في سوريا) قد بدأت. وقد التزمت تركيا بذلك. فلا داعي للتظاهر بأنها تصرفت من تلقاء نفسها. حيث تم الانصياع للرغبة الأمريكية، وبدأت المرحلة المسلحة.
وفي مطلع 2012 بدأت الأسلحة تدخل إلى سوريا من الحدود التركية والأردنية. وتم تنظيم دخول المقاتلين. وقد جاء محاربون بالسفن من ليبيا وبالطائرات من دول البلقان وآسيا الوسطى. وكانت المخابرات الأمريكية والتركية وشركاؤهما وراء كل تلك العمليات.
وقد تبنت تركيا هذه السياسة، وفيما بعد بدأت تصدق أن أحلامها حقيقة. حتى إن بعض الساسة بدأوا يقولون إنهم سيصلون في الجامع الأموي قريبا.
ولكن لم تتيسر الصلاة في الجامع الأموي…
أدركت أمريكا أن الأمور لن تسير كما تريد، فكفت عن سياساتها. وبدأت بالتفاهم مع روسيا. ولكن تركيا استمرت في ذلك، وزادت من تدخلاتها في الساحة السورية. واستقبلت المنظمات غير المرغوب فيها. وأدى ذلك إلى انتزاع المجموعات السلفية الجهادية زمام المبادرة على الساحة السورية. حيث توسعت رقعة القاعدة ومن ثم داعش. وبعد ذلك غيرت أمريكا أولوياتها. وفي الوقت الذي تراجعت فيه أمريكا خطوة للخلف، لم تكن تركيا ترغب في التراجع. ما تسبب في المزيد من الأزمات. لكن تركيا تذعن للمطالب الأمريكية في نهاية المطاف.
ما هي تأثيرات التدخل الروسي في مستقبل سوريا؟
دخول روسيا على الساحة غيّر كل شيء. حيث انهارت أحلام تركيا في تأسيس منطقة عازلة والتدخل العسكري. فالمرحلة السياسية الحالية تسير وفق ما تخطط له روسيا التي تعلم أن الأزمة لن تنتهي بقوة السلاح. وقد صرحت روسيا: “علينا أن نُشرك الكثير من المنظمات المستعدة للمباحثات، في الحكومة. أما المنظمات غير المستعدة أو الرافضة للمباحثات، فنعلن أنها إرهابية، ولنحاربها ضمن عمليات مكافحة الإرهاب. ويجب إجراء إصلاحات في سوريا، كما يجب الاستمرار في مكافحة الإرهاب، من خلال الجيش السوري في إطار مساعدة دولية”.
كيف تقرأ خطاب قمة دول العشرين حول مستقبل سوريا، والقرارات المتخذة في مؤتمر فيينا حول الأزمة السورية؟
من المحتمل أن تحاول أنقرة الاستفادة من موضوعين متعلقين بالأزمة السورية، هما تدفق اللاجئين على أوروبا، وهجمات داعش في باريس.
فعندما صرح أردوغان قائلا: “ماذا سيحدث لو سار 2.2 مليون سوري موجودون في تركيا إلى أوروبا”؟ فقد كان سؤاله هذا عبارة عن مساومة مع الاتحاد الأوروبي، حيث كان يمهد لفتح فصل جديدلم يكن أصلا ضمن فصول مباحثات الانضمام إلى الاتحاد تحت عنوان “اللاجئين”.
وبعد انهيار استراتيجية تغيير النظام السوري بقوة السلاح، بدأت القوى العالمية بالانصياع لرغبات روسيا. في حين أن خارطة الطريق المنبثقة عن مؤتمر فيينا في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بالتزامن مع هجمات باريس الإرهابية، تحمل في طياتها تأثيرات المقترحات التي عرضتها روسيا التي غيرت قواعد اللعبة عبر تدخلها العسكري الذي بدأ في 30 سبتمبر/ أيلول الماضي.
وثمة عنصران مهمان في البيان الختامي الصادر في فيينا تحت عنوان “مجموعة الدعم الدولي لسوريا”. تنص الاتفاقية على تأسيس حكومة مؤقتة في سوريا خلال 6 أشهر. وسيوضع دستور جديد. وعلى ضوء هذا الدستور ستُجرى انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة خلال 18 شهرا.
وإن أنسب تاريخ اختير لعقد مباحثات بين الحكومة السورية ومعارضيها بإشراف الأمم المتحدة، في إطار هذا الهدف، هو 1 يناير/كانون الثاني. أي ستكون هناك مرحلة انتقالية بوجود الأسد.