جمالي أونال
تسعى تركيا إلى البحث عن سبيل للخروج من أزماتها عبر تطبيع العلاقات مع إسرائيل بعدما تقطعت بها السبل بسبب الفشل الدبلوماسي المتوالي في علاقاتها مع كل من سوريا وروسيا وإيران والعراق.
بيد أن الاستراتيجية الجديدة التي انتهجتها تركيا تجاه إسرائيل والتي ألقت بظلالها على آخر تطورات الأحداث عبر التصريحات التي أدلى بها المتحدث الرسمي باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر تشيليك التي قال فيها “دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي صديقان لتركيا”، تُشكّل في واقع الأمر أحد أبرز النماذج التي تبرهن على أن الدبلوماسية التركية تعيش أكبر تعرجاتها في السنوات الأخيرة.
ولا يمكن أن ننسى إطلاقًا تصريحات وكلمات كل من رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والرئيس رجب طيب أردوغان اللذين سعيا إلى كسب دعم الرأي العام إلى صفوفهما عن طريق انتقادات شديدة استهدفا بها إسرائيل باستمرار خلال حملات الانتخابات البرلمانية لهذا العام.
وقال داود أوغلو خلال إحدى حملاته الانتخابية في شهر مايو/ أيار الماضي، في كلمة انتقد فيها زعيم المعارضة كمال كليتشدار أوغلو “لا يمكن أن نكون أصدقاء مع هؤلاء الذين يطأون أرض المسجد الأقصى بأحذيتهم”، قاصدًا إسرائيل.
وفي كلمة له في إحدى الحملات الانتخابية في يوليو/ تموز الماضي اتهم أردوغان إسرائيل التي وصفها بأنها تجاوزت هتلر بأنها”دولة إرهابية”. فضلا عن أنه وصف الأشخاص الذين أوضحوا ضرورة توصيل المساعدات إلى غزة عبر قنوات تواصل من الحكومة التركية مع السلطات الإسرائيلية بسبب أحداث الاعتداء على سفينة “مافي مرمرة” التركية في عام 2010 بأنهم “عملاء لإسرائيل”.
ويمكن القول بأن أزمات عبارة “دقيقة واحدة” (one minute) التي رددها أدروغان في مؤتمر دافوس عام 2009، وحادثة اعتداء القوات الإسرائيلية على سفينة “مافي مرمرة”، وواقعة “أزمة الكرسي المنخفض”-عندما أهان داني أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلي السفير التركي أحمد أوغوز بتل أبيب وأجلسه أمام الصحافة الإسرائيلية على كرسي منخفض؛ أحدثت هزّة كبيرة للغاية في العلاقات التركية الإسرائيلية. وبعدها تبادل سحب سفيري الدولتين، فيما استمرت العلاقات التجارية تنمو على نحو متزايد.
وخلال هذه الفترة البالغة خمسة أعوام؛ لم تخل مناسبة أو محفل إلا وتحدث فيه ساسيو العدالة والتنمية وفي مقدمتهم أردوغان عن إسرائيل وانتقدوها بأشد العبارات. بل اتهموا كل حركة معارضة لهم بالتأييد والمولاة لإسرائيل، ووعدوا الشعب في الميادين الانتخابية بانهم سيحاسبون إسرائيل على ما فعلت بأطفال غزة الأبرياء. لدرجة أنه تم استصدار “نشرة حمراء” من المحاكم بخصوص الجنود الإسرائيليين الذين قتلوا 10 أتراك كانوا على ظهر سفينة مافي مرمرة. إلا أن هذه النشرة ظلت كقرار محكمة ليس إلا، ولم تدخل حيز التنفيذ بأي شكل من الأشكال.
وفي خلال هذه الفترة أدلى المسؤولون الإسرائيليون بتصريحات كثيرة أعربوا خلالها عن رغبتهم في تحسين العلاقات مع تركيا. ونشرت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية أخبارًا ذكرت فيها أن مسؤولي الدولتين عقدوا لقاءً سريًّا في روما في يونيو/ حزيران الماضي بوساطة من الولايات المتحدة.
بيد أن نقطة التحول الأكبر في هذا الموضوع حدثت الأسبوع الماضي؛ حيث ذكرت الصحف الإسرائيلية أن مسؤولي الدولتين عقدوا اجتماعًا هذه المرة في سويسرا وقرروا إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وبدون أن تتخذ إسرائيل أية خطوة إلى الوراء قط.. أعنلت تركيا أنها وافقت على الحصول على التعويضات البالغة 20 مليار دولار بالرغم من أنها صرّحت في وقت سابق بأنها لن توافق على هذه التعويضات. ومن الواضح أنه تم تجنب موضوع رفع الحصار عن غزة.
وجملة القول هي إن تركيا لم تستطع في حقيقة الأمر أن تحصل على شرطين من الشروط الثلاثة التي طلبتها من أجل إعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. فتركيا تكتفي بالتصريحات التي اعتذر فيها نتنياهو لأردوغان في السابق. أما التعويضات المنتظر أن تبلغ مليار دولار ورفع الحصار عن غزة فتم دفعهما مقابل إعادة العلاقات مع إسرائيل.