سفجي أكارتشيشما
شكلت مواد الاتفاق الإسرائيلي التركي الذي سربته مصادر إسرائيلية للإعلام أهم التطورات التي شهدتها الأيام الأخيرة. علما بأن التصريحات التي سبقت ذلك، والتي اعتبرت أن عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي سيكون في مصلحة الجميع كانت قد أشارت بوضوح إلى أنها ستسفر عن تحسن العلاقات.
وحتى لو استمرت الأزمة التركية الإسرائيلية التي بدأت مع عبارة “دقيقة من فضلكم” ”One Minute” التي قالها رجب طيب أردوغان عندما كان رئيس لوزراء تركيا للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في دافوس، بلغت أوجها بإطلاق النيران الإسرائيلية على سفينة مافي مرمرة بفحواها الدبلوماسي وكونها أداة في السياسة الداخلية؛ إلا أنها كانت مستمرة تجاريا بشكل غريب. ولم يتحدث أحد عن هذه التجارة الواسعة بين تركيا وإسرائيل، ولا عن قول أردوغان فيما بعد “إن اعتراضي كان على مقدم اللقاء في دافوس” باستثناء بعض المراقبين الذين قرأوا الأوضاع بدقة تامة.
وحتى لو نفى الجانب التركي التوصل إلى اتفاق حتى الآن، إلا أن الجانب الإسرائيلي سرب هذه المواد من الاتفاقية:
– ستنشئ إسرائيل صندوقا للتعويضات بقيمة 20 مليون دولار عن شهداء سفينة مافي مرمرة.
– ستتنازل تركيا عن كل الدعاوي المنبثقة عن حادثة مافي مرمرة.
– ستتم إعادة تبادل السفراء بين البلدين.
– على تركيا إبعاد عضو حركة حماس صالح العاروري، الذي تعتبره إسرائيل إرهابيا، خارج حدودها.
– البدء بمباحثات تمديد أنابيب الغاز الطبيعي من إسرائيل إلى تركيا.
وينبغي التنويه إلى أن تركيا كانت تفرض 3 شروط لإعادة العلاقات إلى طبيعتها، وهي: الاعتذار، التعويضات، ورفع الحصار عن غزة. وعندما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: “نحن نشعر بالحزن” اعتُبر ذلك اعتذارا، وبالتالي اعتُبر تنفيذا لشرط الاعتذار. ويبدو أن تعويض 9 مواطنين من مواطنينا هو 20 مليون دولار فقط. وطبعا ما من مبلغ يعيد لنا الشهداء الذين قضوا نحبهم. وهذه المرحلة بأسرها تُظهر لنا بأن إرسال الناس إلى الموت على مرأى ومسمع من العالم كان في سبيل العناد والخصومة، وكان عبارة عن عبث. وهكذا تبينت صحة رأي الأستاذ فتح الله كولن الذي انتُقد كثيرا حين قال “كان من المفترض الحصول على إذن من الحكومة الإسرائيلية وإرسال المساعدات بموافقتها”.
أما شرط رفع الحصار عن غزة، والذي اعتبرته تركيا من شروط إعادة العلاقات، فقد كان يبدو من البداية أنه غير واقعي، ويفوق الإمكانيات التي تمتلكها تركيا. وإن عدم ذكر هذا الشرط في هذه الاتفاقية، يُثبت صحة هذا الرأي.
ولكن النفاق يظهر جليا ولا يمكن التستر عليه. لأن الأشخاص الذين كانوا يتهمون حركة الخدمة بالعمالة لإسرائيل دون أي دليل هم أنفسهم الذين يتحدثون عن عودة العلاقات التركية الإسرائيلية إلى طبيعتها. وإن أصحاب الأقلام المأجورين من قبل الحكومة كانوا يتنافسون بالأمس على مقاطعة إسرائيل وكأنهم لباس مفصل على مقاس الحكومة، أصبحوا اليوم يبحثون عن الحجج التي تبيح بل تدعم تحسين العلاقات مع إسرائيل.
وكان أحد أبرز المسؤولين في حزب العدالة والتنمية وهو عمر تشيليك قال: “إسرائيل وشعبها صديقان لنا”، ولم ينبس أحد من الذين يقدمون أنفسهم على أنهم دعاة للإسلام السياسي ببنت شفة حيال هذا التصريح. ولو أن أحدا من حركة الخدمة صرح بتصريح كهذا لاتُّهم بالعمالة والخيانة الوطنية!
ولاشك في أن خطورة الوضع في السياسة الخارجية، لعبت دورا كبيرا في عودة العلاقات مع إسرائيل. لو كانت تركيا بلدا عاديا لكانت سياسات النفاق التي تنتهجها الحكومة تسبب صدمة كبيرة لدى المجتمع. ولكننا حين نتذكر بأننا لسنا في دولة طبيعية، علينا ألا نستغرب السكوت إزاء تغيير المسار إلى الاتجاه المعاكس تماما.
فكم من مواقف –للحكومة- شائكة تقبلها هذا المجتمع دون أي اعتراض منذ عمليات الكشف عن الفساد في 17 ديسمبر 2013 حتى الآن! فهل سيجد صعوبة في تقبل هذا النكوص وتطبيع العلاقات مع إسرائيل؟