ممتاز أر تركونه
جمال أوشاك الأمين العام لوقف الصحفيين والكتاب التركي والذي صدر أخيرا قرار باعتقاله ليس شخصا واحدا فقط. بل إنه موروث نفخر به وكأنه عُجن بتراب هذا الوطن كالعجين منذ ألف عام.
فإن اتُّهم مثل هذه الشخص بأنه منتسب إلى تنظيم إرهابي مسلح، وصدر قرار باعتقاله؛ فليس لنا إلا أن نفكر بصدور قوانين جديدة لتغيير معاني هذه الكلمات: “سلاح، إرهاب، تنظيم”. وإذا اتُّهم جمال أوشاك بهذه التهمة، فذلك يعني أن كل شيء في هذا البلد أصبح مقلوبا رأسا على عقب كشجرة الطوبى. وذلك لأننا لا نقصد جمال أوشاك بحد ذاته، بل نقصد البراءة والتواضع والتفاهم والتسامح والسلام والعيش المشترك والضمير الذي يقتنع به الجميع دون تردد.
فمن هو جمال أوشاك؟
إن جمال أوشاك هو رجل كلما رأى خصومة بين طرفين دعاهما للمصالحة والصلح، وكان يقول للمتخاصمين: “صبوا جام غضبكم عليَّ” كي يُفرغ غضبهم، حتى إنه يرضى بأن يتعرَّض للضرب في سبيل ذلك. فهو يتميز بثبات شديد أمام فكرة العداء والظلم، لدرجة أنه حين أُصيب بالسرطان منذ مدة استطاع بعناده وإيمانه أن يهزم جيش الخلايا السرطانية الذي هاجم جسمه، وتمكن من الشفاء. فهل هزم السرطان أم أنه أقنعه؟ برأيي أن الجواب الثاني هو الصحيح.
إن هذا المجتمع وهذا البلد لا يزالان على قيد الحياة من خلال ضمائر أناس من أمثال جمال أوشاك، لا من خلال حرص الساسة على السلطة ومؤامراتهم. فإنجازاتهم والآمال التي زرعوها معروفة للعيان، ولا يغفل عنها سوى العميان والجاحدين.
إن هذا الوطن بلغ الكمال منذ ألف سنة من خلال ضمائر وجهود أناس كجمال أوشاك. فنحن بحاجة إلى مرشدين يرسخون التفاهم ويوجِدون بيننا القواسم المشتركة، لا إلى من يزرع التفرقة والاستقطاب والنزاع. فقد ظهر طريق ومنهج جديدان في التربية والتعليم مع ظهور الأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي. حيث تضافرت الطاقات والإمكانيات في هذا المجال، وإذا كانت تركيا اليوم قد دخلت في عصر تعليمي جديد، فقد تحقق ذلك في ظل وجود مؤسسات تعليمية تأسست وتطورت بجهود شخصيات مثل جمال أوشاك، إلى جانب مدارس الدولة البدائية والعقيمة.
وكان أحد المواطنين العلويين قد تحدث إلى جمال أوشاك، فوجد أنه ليس شخصا يدافع عن حقوقه فقط، بل رأى أن أوشاك يمتلك رؤية تؤمن للعلوي أن يعيش بكل أمان بين أهل السنة.وما من كردي أن يكون أكثر كرديةً من هذا التركي المحبوب الذي يقلد كل لهجات الأناضول. كما أن المسيحيين واليهود والمجوس حين يسمعون جملة من جمال أوشاك، يعلمون أن بإمكانهم العيش بأمان مع ممارسة شعائرهم الدينية إلى جانبه. فإن كنتم تقفون بثبات على هذا النحو، فمن ذا الذي يستطيع أن يفرقكم أو يهزمكم؟
وإذا وضعتم السلاح والإرهاب والتنظيم في مكان واحد، لوجدتم أن أبعد إنسان عن هذه الأشياء في العالم هو جمال أوشاك.