إسطنبول (زمان عربي) – توجد قلعتان متقابلتان في إسطنبول: قلعة روملي حصار وقلعة الأناضول وبينما لا تزال قلعة روملي حصار محتفظة برونقها أصبحت قلعة الأناضول شبه منسية إذ يصعب على كثيرين معرفة مكانها. ويرجع سبب هذا إلى التحضر السريع الذي تشهده مدينة إسطنبول منذ عام 1956.
السلطان العثماني بايزيد الأول (يلدريم أو الصاعقة) هو الذي فتح أطراف إسطنبول في وقت مبكر وبقيت المدينة التي تحيطها الأسوار المنيعة، لأنه في عام 1395 أي قبل فتح إسطنبول (في 1453) بنحو 58 عاما أنشأ قلعة الأناضول في أضيق موقع على مضيق البسفور مستلهما الفكرة من قلعة يوروس.
لكن في عهد الحزب الديمقراطي، الذي وصف نفسه بالحزب القومي المحافظ، أهملت الآثار التاريخية في إسطنبول القديمة حيث تغيرت ملامح المدينة كثيرا نتيجة المشروع الذي أطلق عليه اسم “إعمار إسطنبول” والذي تسبب في فقدان المدينة لطابعها التاريخي. وإن سئل أين نصف هذه القلعة ولماذا ليس لها رونق وبريق قلعة روملي حصار المواجهة لها فالإجابة تكمن في سوء التعامل مع الآثار التاريخية أثناء فترة حكم الحزب الديمقراطي. فقلعة الأناضول على هذا الوضع المتردي منذ أن هدم جزء منها وشق طريق من خلالها أثناء إنشاء الطريق الساحلي بين أوسكدار وبيكوز.
لكن على الرغم من أن القصة مخيبة للآمال ومؤلمة، ندخل القلعة هذا الأسبوع من مدخلها من جهة بيكوز ونرى ما بداخلها؟
معاناة قلعة جوزلجه (قلعة الأناضول)
كما أوضحنا بالأعلى فإن باني القلعة هو السلطان العثماني الرابع المغرور والمغدور السلطان بايزيد الأول.فيها الآن كومة من الحجارة وهو ماتبقى في يومنا من هذه القلعة التي كانت تحتوى في منتصفها على حديقة أطفال.لم يبق من القلعة غير السور المحاط بأسلاك شائكة. فهي تختفي مع مرور الوقت وتحاط بالقمامة من جميع جهاتها.
كما أن المصلى الذي يُروى أنه قديم قدم القلعة يكاد يتلاشى. لكن إن كانت هناك جمعيات خيرية تود القيام بترميمها فلابد من مراقبة أعمال الترميم من قبل الجهات المختصة، وإلا فإن عمليات الترميم التي يشرف عليها المقاولون ظاهرة للعيان في بعض الآثار التاريخية التي جرى ترميمها لأنهم يعتقدون أن الترميم عبارة عن تبييض أحجار الآثار. فقلعة الأناضول التي تعرف أيضا باسم قلعة جوزلجه لاطاقة لها للتعرض على عملية تخريب ثانية بادعاء ترميمها.
لقطات مبهجة من محيط القلعة
سواء اتجهتم إلى الأعلى من موقف الحافلات الذي يبعد قليلا عن المرفأ أو اتجهتم مباشرة إلى الشارع العلوي من القلعة، من الأحسن أن تمعنوا النظر في الشوارع والأزقة أثناء تجولكم. فجميع الشوارع لها مناظر جذابة لذلك قد يكون التجول في الشوارع التي تشبه المتاهة ممتعا.وأغلب المنازل الخشبية القديمة ظلت قائمة رغم وجود بعض المنازل الوشيكة على الانهيار. وسيظهر أمامكم مسجد صغير في شارع “سيته أوستو” وهو جامع سنان أفندي. يستحق هذا المعلم التقاط صوره إذ إنه لا يزال قائما منذ القرن السادس عشر. ثم يبدأ الطريق إلى الساحل عندما تبدأ القطط بالتوجيه. داخل سوق الحي الصغير يوجد سوبر ماركت أيضا. وسكان الحي يعرفون بعضهم البعض عن قرب. فهم أوفياء لماضيهم. ننصحكم ألا تغادروا هذا المكان قبل أن تحتسوا الشاي في مقهى الحي الذي بداخله مدفأة الحطب.
مقر القيادة أثناءحرب الإستقلال!
أنشأ السلطان محمد الفاتح (محمد الثاني) قلعة روملي حصار في الجهة المقابلة من المضيق وفي مواجهة قلعة الأناضول التي بناها جده الأكبر السلطان بايزيد الأول لما عزم على فتح إسطنبول ذات الأسوار المنيعة. وأعاد ترميم قلعة جوزلجه (قلعة الأناضول) أثناء فترة الاستعداد للفتح. وحينها أنشئ هنا جامع أيضا. لكن هذا المعبد الصغير، الذي انهار مع مرور الوقت، اكتسب شكلها الحالي في فترة السلطان عبد الحميد عام 1883. وبه آثار التيار المعماري الوطني مثل النوافذ الكبيرة الموجودة في الجزء الصغير من الجامع. ولاتزال الزخارف داخل النافورة تضفي عليها أناقة جميلة. وأثناء الوضوء إن رفعتم رؤوسكم ستلاحظون هذا الجمال. وإحدى الخصائص الأخرى المهمة لهذا الجامع المتواضع هو كونه مقر القيادة أثناء حرب الاستقلال.
ومع الوقت تحول هذا الجامع، الذي لعب دورا مهما في جمع الذخائر، إلى قاعدة لتوزيع الجنود إلى الأناضول.
ندخل الجامع بعد قراءة الفاتحة على أرواح الشهداء العزيزة ونستعد لصلاة الجمعة بتأمل ذكرياتهم.
من قصر كوتشوك سو إلى سواحل بوغازيتشي
وجهتنا التالية هي قصر كوتشوك سو، إن كان لديكم الوقت ننصحكم باحتساء الشاي في المقهى الصغيرة بجوار المرفأ. وفطائر البوريك التي تباع هنا لا تزال محافظة على مذاقها التقليدي كما أن المكان جميل.
وبعد العبور إلى الجانب الآخر من الجسر الصغير على نهر جوكسو نتجه مباشرة صوب قصر كوتشوك سو، هذا المكان الذي يعد إحدى الحدائق الخاصة التابعة للدولة العثمانية، وبدأت أعمال التشييد فيه بعد أن أعجب به السلطان مراد الرابع. واكتسب القصر مظهره الغربي النهائي أثناء فترة السلطان عبد المجيد وانتهت أعمال تشييده عام 1875.
ويزور سكان إسطنبول هذا القصر، الذي فتح لزيارة العامة في 1996 بسبب مطعمه ومقهاه.من الأفضل زيارة هذا المكان خلال أيام الأسبوع، لأنه يكتظ بالزوار نهاية الأسبوع، ويكون الوصول إلى القصر وخصوصا بالسيارة صعبا جدا. ومن المهم ألا تغادروا هذا المكان قبل أن تروا البيوت الجميلة التي تطل على المضيق.