محمد كاميش
كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يقول في تصريحات أدلى بها وكان رئيس الوزراء آنذاك في معرض تعليقه على اعتداء إسرائيل على “أسطول الحرية” (سفينة مافي مرمرة) الذي كان يحاول الإبحار إلى قطاع غزة لكسر حصارها: “إسرائيل ستدفع ثمن شهداء أسطول الحرية، اليوم هو يوم جديد! ومن الآن فصاعدًا لن يكون أي شيء كما كان في السابق. إسرائيل لا يمكنها تنظيف الدم الذي يلطخ يديها بأي شكل من الأشكال”.
في تلك الأثناء كان ينتاب أردوغان شعور ورغبة في زيادة شعبيته في العالم العربي لا سيّما بعد عبارة “دقيقة من فضلكم” (One minute) التي رددها في معرض انتقاده للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في منتدى دافوس. وكان أردوغان يرد على تحذيرات بعض قادة الرأي وفي مقدمتهم المفكر فتح الله كولن بردود شديدة والتي كانوا يحذرونه فيها بأن مثل هذه التصرفات ستدفع البلاد إلى مغامرات ومخاطر لا داعي لها.
وقال أردوغان في تصريح أدلى به في 10 يونيو/ حزيران 2010 “إن الذين يغضون الطرف ويتجاهلون قتل الرضع الأبرياء والأطفال الأبرياء والمدنيين الأبرياء، والذين يدعمون الاعتداءات الإسرائيلية في فلسطين سواء ضمنيًا أو علنًا، هم مسؤولون بقدر مسؤولية القتلة على الأقل، وهم مجرمون بقدر المجرمين الذين نفذوا الاعتداءات على الأقل”.
واللافت أن كل مسؤولي حكومة حزب العدالة والتنمية شنوا هجومًا شديدًا على تصريحات فتح الله كولن التي حذّر فيها بقوله “من الممكن توصيل هذه المساعدات عن طريق الحصول على إذن أولا. لماذا تضعون الدولة في أزمات لا داعي لها من الأساس”.
بيد أن السنوات الخمس التي مرت على هذه الأحداث والحالة التي آلت إليها الحكومة أظهرت لنا كيف أن هذه الانتقادات كانت على حق. إذ رأينا، بأم أعيننا، أن الكلمات الحماسيّة قصيرة النظر التي لا تفكر في عواقب الأمور لا جدوى منها إلا الزج بالدولة قاطبة في المستنقع.
ولا أدري كيف ستفسر الأوساط الحاكمة التي تتهم كل من عارضها بالتجسس والعمالة لصالح إسرائيل لقاعدتها ومؤيديها توصلهم إلى اتفاق مع إسرائيل بعدما وافقوا على كل مطالبها تقريبًا.
فضلا عن أن قيام وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو الذي يتصرف باسم الجانب التركي بهذا الاتفاق مع رئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، يعتبر موقفًا يحمل في طياته الكثير من العبر من ناحية إظهار الموقف الذي وقع فيه كل من يتهمون من عارضوهم بأنهم عملاء للموساد ويتجسسون على بلادهم لصالح إسرائيل.
والأمر الأكثر إثارة للدهشة ولفتا للانتباه هو إعلان حزب العدالة والتنمية الحاكم هذا الاتفاق إلى الرأي العام بعد انتهاء جميع الانتخابات بالرغم من التوصل إلى هذا الاتفاق قبل انتخابات السابع من يونيو/ حزيران الماضي. وهو ما يعني أنه في الوقت الذي كان يستخدم فيه أردوغان معارضته لإسرائيل في السياسة الداخلية بتهور وكما يشاء، كان الاتفاق قد أجري منذ زمن بعيد أصلا. وأرى أن تصريحات أردوغان عقب انتهاء الانتخابات “بتطبيع العلاقات مع إسرائيل” ثم تسريب معلومات للرأي العام مفادها أنه تم التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، أمر مثير للدهشة والانتباه إلى حد كبير.
حسنًا، ما الذي تغيّر ليقرر مسؤولو الحزب الحاكم تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟ ماذا تم تنفيذه من المطالب التي رددوها، وأي التطورات تم إنجازها؟والجواب هو: طبعًا ليس هناك أي شيء تغير في حقيقة الأمر!
قد يكون المؤثر في هذا الاتفاق هو كون حزب العدالة والتنمية يتبع سياسة السحق والظلم على من يستطيع سحقه دون اكتراث بالقضاء أوالقوانين، والخضوع والإذعان وتقبيل الأيادي دون أي تردد تجاه من لا يستطيع الوقوف في وجوههم.