بقلم: سلجوق جولطاش
عقد ثلاثة وزراء أتراك ومسؤولان من الاتحاد الأوروبي مؤتمرًا صحفيًّا عقب الاجتماع الذي فتح فيه الاتحاد فصلاً جديدًا في إطار مفاوضات تركيا لعضوية الاتحاد. وبدوري ذكّرت نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك بأعمال القمع الممارسة على وسائل الإعلام في تركيا وسألته إذا ما كانوا سيواصلون حبس الصحفيين والكُتّاب أم لا. وبينما كنتُ أتوقع إجابة منطقية ومعقولة من نائب رئيس الوزراء الذي أمضى سنوات طويلة من عمره في بريطانيا فإذا به يخرج علينا بادعاء “دولة قراصنة”.
كنتُ أتجاذب أطراف الحديث مع زميل أوروبي عمل في إسطنبول ردحًا من الزمان حول الفصل السابع عشر الذي فتحه الاتحاد الأوروبي بعد فترة انقطاع دامت عامين. وقال لي بلغته التركية التي يتحدثها بطلاقة “والله لولا اللاجئين لما كان اقترب الوزراء الأتراك الثلاثة من هذا المكان أصلًا”. صراحة تعتبر هذه كلمات مقتضبة بالنسبة لشخص أجنبي تعلّم اللغة التركية كلغة ثانية.
“فصل اللاجئين” بين تركيا والاتحاد الأوروبي
في واقع الأمر يُطلق على الفصل السابع عشر في أوروبا “فصل اللاجئين”. والدبلوماسيون يقولون بكل وضوح إن العلاقة مبنية على المصالح والمنافع بدرجة كبيرة شريطة ألا يُكتب ذلك، وإن الاتحاد الأوروبي قدّم بعض الوعود لتركيا مقابل إيواء اللاجئين في أراضيها، فضلا عن أن “الربيع الجديد” في العلاقات لا يمت بصلة قط إلى اقتراب تركيا من معايير الاتحاد الأوروبي، زد على ذلك أن عبارة “إحياء العلاقات من جديد” التي كثيرًا ما يرددها وزراؤنا وتروق لهم؛ هي في واقع الأمر “ربيع كاذب”.
ويمكن القول بأن نوعًا من شعور الخجل والعجز يلقي بثقله بشكل كبير على فئة المسؤولين الكبار والمتوسطين في الاتحاد الأوروبي. إذ إنهم يعرفون تمام المعرفة أن تركيا تشهد أوضاعاً مخيفة؛ ويتابعون عن كثب عمليات نهب مجموعة “كوزا- إيبك” القابضة، وإسكات مجموعة “سامان يولو” الإعلامية، وحبس رئيس تحرير صحيفة “جمهوريت” جان دوندار بهراء وسفسطة “الكيان الموازي”، وكذلك يرون كيف أن الحزب الحاكم في تركيا يتراجع تراجعاً كاملاً وباحترافية نادرة عما قاله اليوم بعد فترة قليلة، ويشوّه الحقائق ويقدّم “الأبيض” أسود و”الأسود” أبيض من أجل الفوز بالانتخابات، كما حدث في المسألة الكردية. والطامة الكبرى أن دول الاتحاد الأوروبي، وبخاصة ألمانيا، تتعامل مع تركيا بالاحترافية ذاتها وتعلّق مبادئها لفترة من الوقت بمجرد أن واجهت أزمة اللاجئين. ويقولون “نحن آسفون جدًا لكن لا نستطيع أن نفعل شيئًا”.
الوزير النمساوي: مشكلتنا هي اللاجئون وليس تركيا!
ويبدو أن هذا هو السبب الرئيس في مشاركة تركيا في اجتماع أول من أمس بثلاثة وزراء من أجل الاستعراض بهدف إيصال رسالة للرأي العام فحواها أن الفصل الذي تم فتحه بعد فترة انقطاع دامت عامين جعل تركيا أكثر قربًا من الاتحاد الأوروبي وأن الدولة أصبحت أكثر ديمقراطية وحرية، أعلن الاتحاد الأوروبي بعبارات صريحة أن المشكلة تكمن في مسألة اللاجئين.
أرسلت معظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وعددها 28 دولة، مستشاريها أو سفرائها إلى الاجتماع كما أفادت الصحف ووسائل الإعلام الأوروبية. وأوجز وزير خارجية النمسا الشاب سيباستيان كورتس نظرة أوروبا إلى الموضوع بصورة مباشرة دون لفّ أو دوران: “الموضوع هو مساعدة تركيا للاتحاد الأوروبي من أجل إيقاف اللاجئين وعدم مجيئهم إلى أوروبا. وينبغي أن نكون صادقين في هذا المقام”.
واللافت هو أن حضور عدد كبير من المسؤولين من ممثلي الوزارات التركية الثلاث كان أكثر من عدد الصحفيين في المؤتمر الصحفي. وشاءت الأقدار أن يتزامن اجتماع الفصل الذي فُتح بعد مرور عامين مع الذكرى السنوية للحملة الأمنية التي شنتها قوات الأمن التركية في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2014 على الإعلام الحر.
مفهوم “الدولة الموازية” يتحول إلى “دولة قراصنة”
بدوري سألتُ نائب رئيس الوزراء محمد شيمشك عن رئيس مجموعة “سامان يولو” الإعلامية هدايت كاراجا المحبوس منذ عام، والكاتب جان دوندار ومجموعة “كوزا-إيبك”. وبينما كنتُ أتوقع إجابة معقولة إلى حد ما من شيمشك الذي قضى سنوات طويلة من حياته في بريطانيا، فوجئت بأن سيادة الوزير يقول بأنه لا يريد أن يتدخل في أمور القضاء، مطالبًا بالنظر إلى هذه الأحداث في إطار مكافحة “دولة القراصنة”.
وعندها سألتُ في نفسي: “هل صرفت حكومة حزب العدالة والتنمية النظر عن مفهوم “الدولة الموازية” -العاجزة عن شرحه وتفسيره لأوروبا منذ عامين- وبدأت تلجأ إلى مفهوم “دولة القراصنة” يا تُرى!”. وعقب كلمة شيمشك مباشرة، تحدث وزير الخارجية والشؤون الأوربية والهجرة واللجوء في لوكسمبورج جان أسيلبورن عن أهمية استقلال القضاء وحرية الصحافة في تركيا، وأفاد بأنه لا يؤيد ما قاله شيمشك بأي شكل من الأشكال.
والقراء الذين يتساءلون “ما هو جدوى تصريحات الوزير الأوروبي على أرض الواقع؟!” أراهم على حق؛ إذ إن الاتحاد الأوروبي يواصل ممارسة “البيزنس” مع أنقرة معلّقاً كل مبادئه!