بقلم: سلجوق جولطاشلي
اليوم الذكرى الأولى للحملة الموسعة التي شنتها قوات الأمن على الإعلام الحر في 14 ديسمبر/ كانون الأول الماضي بهدف إسكات الأصوات المعارضة؛ وبمعنى آخر مضى عام كامل على دخول هدايت كاراجا رئيس مجموعة “سامان يولو” الإعلامية السجن بتهمة إدارة منظمة إرهابية مسلّحة بسبب مشهد في أحد المسلسلات التليفزيونية من وحي الخيال.
وكما قال كاراجا للقاضي الذي نطق بقرار الحكم:”ليس ثمة تنظيم ولا أسلحة كما يُزعم”ولكن رغم ذلك وللأسف اقتحمت قوات الأمن منزل كاراجا مرة أخرى في الذكرى الأولى من وضعه خلف القضبان الحديدية. إذ قاموا بدفع الباب على الخالة (والدة كاراجا) التي فتحت لهم الباب واقتحموا المنزل عنوة، وبكت العجوز المسكينة بكاءً مرا.
ما أجمل ما قاله الشاب صدقي كاراجا،الابن الأكبر لهدايت كارجا، عندما كان ينقل رسالة والده المسلوبة حريته: “يا للعجب إن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يقول لمن يهاجمون أفراد عائلته”لا تقحموا أسرتي في قضية تخصني إن كانت هناك قضية بيني وبينكم” يسكت على الهجوم على أفراد عائلات الآخرين”. ويضيف صدقي: “على أية حال فأبي يقول: “إن كانت لديكم مشكلة، فتعالوا واحسموها معي، لماذا تتعرّضون وتمسون أفراد أسرتي؟”.
الشعب التركي أجمع يعرف سبب الحملة التي شنتها قوات الأمن في 14 ديسمبر من العام الماضي. لاشكّ في أن هذه الحملة تمت من أجل الحيلولة دون الحديث عن أعمال الفساد لاسيّما في تلك الفترة التي كانت تقترب فيها الذكرى السنوية لعمليات الكشف عن الفساد والرشوة التي تكشفت وقائعها في 17 و25 ديسمبر/ 2013. وهذا العام تم إسكات مجموعة “ٍسامان يولو” الإعلامية ومصادرتها بالرغم من أن مديرها في السجن، وتم نهب مجموعة “كوزا-إيبك” بالرغم من أن صاحبها يعيش في لندن، وسجن رئيس تحرير صحيفة “جمهوريت” جان دوندار ومدير مكتب الصحيفة بأنقرة أردم جول بالرغم من إسكاتها، بمعنى أنه في الوقت الذي لم تعد فيه صحف أو قنوات تليفزيونية تكتب وتنتقد أحداث “17 ديسمبر”، يبدو أن حملة “إسكات الإعلام عن الحديث مجددًا عن 17 ديسمبر” بدأ مبكرًا. علينا أن ننتظر حتى نرى ماذا سيخرج من القبعة خلال الأيام القليلة المقبلة؟
الاتحاد الأوروبي يفتح فصلا حول عضوية تركيا لكن الديمقراطيينليسوا سعداء
اليوم قرر الاتحاد الأوروبي فتح فصل جديد في مشاورات عضوية انضمام تركيا للاتحاد بعد انقطاع دام لمدة عامين. وإذا ما فكرنا في أن الاتحاد فتح فصلا واحدًا فقط مع تركيا خلال السنوات الخمس الماضية فينبغي أن نعتبر ذلك تطورا مهمًّا. صحيح أنه يجب أن نسعد باقتراب تركيا إلى حد ما من معايير الاتحاد الأوروبي لكن إذا ما ألقينا نظرة على الأوساط التي تدعم عضويتها في الاتحاد سواء في تركيا أو في أوروبا فليست هناك أية دلالات للسعادة أو الفرح عليهم.
وتركيا والاتحاد الأوروبي يعرفان تمام المعرفة أن فتح الفصل السابع عشر الذي اعترض عليه الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي ليست له صلة باقتراب أنقرة من المعايير الأوروبية كما ليست له علاقة بالتنور الحاصل في أوروبا تجاه عضوية تركيا. ولعل السبب الوحيد في فتح الفصل هو اعتقاد رئيس الوزراء الألماني أنجيلا ميركل بأنهم يواجهون أزمة وجودية بسبب تدفق اللاجئين واحتضانهم لأردوغان بسبب هذا التوتر وليس الاهتمام بانضمام تركيا للاتحاد. بمعنى أن الطرفين يتظاهران وكأنهما يبذلان مساعي حثيثة وجهودا مضنية من أجل ذلك.
وفي الوقت الذي يفتح فيه الاتحاد الأوروبي فصلا جديدًا مع تركيا ويسعد قلب أردوغان ويدعمه لتعزيز وتقوية حكمه، يهدف من ناحية أخرى إلى تأمين إيواء وإبقاء اللاجئين في تركيا. والاتحاد الأوروبي يعرف تمام المعرفة أن أردوغان ليست لديه نوايا أو اهتمام بعضوية الاتحاد الأوروبي، وأن هدفه الوحيد هو الانتقال إلى النظام الرئاسي الذي لا يتعارض مع أية قاعدة من قواعد الاتحاد. ثم ماذا قالت ميركل للصحفية الألمانية آن فيلي: “لطالما كنتُ أعارض عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، ولا أزال معارضة لذلك. وأردوغان يعلم ذلك جيدًا”.
إن الشغل الشاغل لأردوغان هو استخدام التقارب مع الاتحاد الأوروبي والاستقبال على السجاد الأحمر في بروكسل ودعوته إلى القمم من أجل إرساء فكرة كونه “رجل دولة كبيرة”. ويبنغي أن نسلم بأنه نجح في ذلك الهدف بدرجة كبيرة.
يجب ألا يخدع أحد نفسه. فلا يوجد شيء من قبيل اقتراب تركيا للاتحاد الأوروبي ولا إرداة جديدة داخل الاتحاد لجعل تركيا أحد أعضائه. والمسألة في واقع الأمر عبارة عن تأمين بقاء اللاجئين في تركيا ليس إلا.
وإذا ما كانت هناك إرادة جديدة حقًّا لكانت أكثر الموضوعات التي يتم طرحها والحديث عنها في مؤتمر الحكومات المقرر انعقاده غدًا عن الصحفيين والكُتّاب المحبوسين والمظلومين مثل جان دوندار وأردم جول وهدايت كاراجا. فكما قامت حكومة داود أوغلو بالمشاركة في أول قمة في التاريخ بين الاتحاد الأوروبي وتركيا عقب حبس دوندار وجول، فأشكُ في أن يتم الحديث في اجتماع اليوم عن هذا الموضوع.
وفي ضوء تصريحات الحكومة؛ فإذا شارك داود أوغلو في قمة الاتحاد الأوروبي يوم الخميس سيصادف ذلك يوم 17 ديسمبر. ما أجمل ذلك؛ الاتحاد الأوروبي يفتح فصلا في الذكرى السنوية لأحداث 14 ديسمبر، ويستضيف رئيس وزراء تركيا في الذكرى السنوية لأحداث 17 ديسمبر. فلتحيا معايير أنقرة!