إسطنبول (زمان عربي) – هناك العديد من المدارس التي نتّبعها لتربية أطفالنا تربية صحيحة فبعضنا يرى أن القراءة لعلماء الغرب والتنشئة بما يوافق العلوم هو أمر صائب بينما البعض الآخر منا يستسلم لطرق أمهاتنا التقليدية. في حين أن القرآن والسنة التي يجب علينا أن نتبعهما في جميع أمورنا يحتويان على أفضل الطرق في تنشئة الأطفال.
وقراءة سيرة سيد الخلق – عليه الصلاوة والسلام – وسير سائر الرسل الذين ينبغي أن نستخرج الدروس والعبر من حياتهم بالقصص الواردة في القرآن الكريم بالنظرة الأبوية تظهر لنا أهمية تنشئة الأطفال على الفطرة الإسلامية التي خُلِقوا عليها.
وكتاب خديجة كبرى تونجير بعنوان “علم أصول التربية الفطرية 2: أساليب الرسول في تربية الأطفال” هو بمثابة كتيِّب للوالدين الراغبين في تنشئة أبنائهم على أصحِّ صورة، فخديجة كبرى تونجير التي تنظر إلى المشاكل التي يواجهها الآباء أثناء تربيتهم لأبنائهم في إطار حياة الرسول توضِّح من هذا المنطلق طرق التعامل مع هذه المشاكل بالعديد من الأمثلة المأخوذة من حياة الرسل المتميزة التي تعد كل واحدة منها كتيب إرشادي.
النظام التربوي لسيد الخلق: الحب، الاهتمام ، الاحترام
فجميعنا نعلم حبه وعطفه صلى الله عليه وسلم تجاه أبنائه وأحفاده والأطفال عموما، فالرسول يتحدث في أغلب الوقت بلغتهم أثناء تربيته لهذه الأرواح البريئة المحظوظة في عهده.
وعندما يستدعي الأمر يظهر لهم الاحترام كشخص راشد، وفي بعض الأحيان يتحول إلى طفل ويلعب معهم بألعابهم. ولهذا السبب كان يلعب باندفاع مع الحسن والحسين في حضور عزرائيل، كما عيّن أيضا عمرو بن سلامة وهو في سن السابعة إماما على قومه لحفظه للقرآن الكريم.
ويمكننا أن نرى من خلال الواقعة التالية أن في تقّربه بحب من الأطفال عند ارتكابهم الأخطاء اتِّباعا للسنة:
أثناء ذهاب الرسول إلى المسجد في أحد الأيام صادف أطفالا يهزأون بالأذان، وبينما ارتعد الأطفال بعد رؤيتهم له من محاسبته لهم أو غضبه قام الرسول بإلقاءالسلام عليهم. وربّت الرسول على رأس “محذورة” الذي كان يهزأ بالأذان وخاطبه قائلا:”ما أجمل صوتك. أيمكنك قراءة الأذان في المسجد بهذا الصوت الجميل؟” حيث قابل سلوك الطفل بلطف بدلا من التوبيخ وأصبحت حياته مستقيمة.
سيدنا داود: يستشير ابنه ثم ينفِّذ قراره
أحيانا بينما يعمل الوالدان على تلبية رغبات أبنائهم فهم بدون أن يلاحظوا يبعدونهم عن مفهوم “المسؤولية”، في حين أن الطفل الذي لا يتحمل المسؤولية يصبح معرضا للعديد من الصعاب في المستقبل كما أنه يصبح ضعيفا في مواجهة الحياة. فعندما ننظر إلى علاقة سيدنا داود بابنه سيدنا سليمان الذي سيُمنح النبوءة فيما بعد نجد أن سيدنا داود كان يكلِّفه بمهام منذ الصغر وكان يحترم أفكاره.
ففي هذه الوقعة المذكورة في القرآن نجد سيدنا سليمان يشارك في الدعاوى التي ينظرها والده الذي يحكم بالعدل في ملكه وعارض سليمان والده داود بشأن “حرث الأغنام” (سورة الأنبياء –الآية 78) وأصدر حكما غير حكم والده ونفّذ سيدنا داود حكم ابنه سليمان. وهذه الواقعة بلاشك هي درس للآباء الذين يسيطر عليهم الغرور بسبب السن أو المنصب في يومنا هذا ويقولون لأبنائهم “أنت لا تعرف شيئاَ” .
سيدنا يعقوب: كان يصبر على أخطاء أبنائه الفادحة
قصة سيدنا يوسف عليه السلام التي يرويها القرآن مفصلة في سورة يوسف تقدم لنا نصائح من عدّة نواحي، فسيدنا يوسف الذي حفلت فترة طفولته وشبابه وشيخوخته بالامتحانات هو ابن أحد الرسل في الوقت نفسه. فأبناؤه كانوا سبب امتحان لوالدهم سيدنا يعقوب عليه السلام. حيث قام إخوة يوسف الغاضبون من حب والدهم له بإلقائه في بئر.
وورد في القرآن رد فعل سيدنا يعقوب بقوله “وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ۚ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ۖ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ” (سورة يوسف- الآية 18) فسلوك سيدنا يعقوب هذا الذي لم يضر بأبنائه بل بأنفسهم هو أحد الخطوات التي ستصبح فيما بعد سبباَ لتوبتهم عندما يأتي اليوم الذي قال فيه يوسف “لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ” (سورة يوسف- الآية92)
سيدنا موسى: ذهب بالكلمة الطيبة إلى فرعون
“يجادلني حتى يدفعني إلى الصراخ. فهو لا يفهم حينما أقول له توقف أو أصمت” أليست هذه الجملة مألوفة إلى حد ما عند حديث الوالدين عن أبنائهم؟ فالأطفال فتنة أي سبب امتحان للآباء ولكن يجب على الآباء احتضانهم بالحب والحنان لأنهم أمانة عليهم ولا بد من التحلي بالصبر والكلمة الطيبة. لأن الكلمة الطيبة قد تخرج الثعبان من جحره كما جاء في المثل التركي. فالقرآن يظهر لنا ضرورة القيام بهذا من خلال قصة سيدنا موسى.
حيث يأمر الله عز وجل سيدنا موسى وأخاه هارون أثناء ذهابهما إلى فرعون بقوله”فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ” (سورة طه-الآية44). فالأمر الإلهي بمخاطبة فرعون وهو رمز الشر بالقول اللين والكلمة الطيبة هو في الواقع يحمل رسالة لإدراك كيف ينبغي التعامل مع الأطفال الذين يمثلون البراءة.