علي أصلان
كقاعدة غير مكتوبة: الحرب توجّه أمريكا إلى أصدقائها القابلين للتوظيف وحلفائها. وتبعاً لذلك تزداد المقترحات والضغوط الفعلية في هذا الصدد.
وبما أن أمريكا تقود حرباً فعلية ضد تنظيم داعش دون أن تطلق عليها اسماً رسمياً، فإنه يتعيّن قراءة تعاملها مع تركيا من خلال هذه الزاوية البراجماتية أو العملية. ولذلك نرى أن العلاقات الحالية بين البلدين تتشكّل في معظمها وفق مقوّمات الحرب الاستثنائية.
ومع أن أمريكا كانت ترغب في التعاون مع كل من روسيا وتركيا في مكافحتها ضد داعش، إلا أن الأخيرتين اندلع بينهما نزاع بسبب أزمة الطائرة، مما جلب مخاطر وأعباء غير مطلوبة في العمليات الأمريكية الدبلوماسية والعسكرية. ولذلك فإن خفض حدة الأزمة في أسرع وقت ممكن، والسعي للحيلولة دون اكتسابها أبعاداً أخرى من شأنها توريط الناتو فيها أيضاً، من أهمّ أولويات ومصالح أمريكا. ونرى أن واشنطن تبدي موقفاً مدافعاً عن أنقرة في أزمتها مع روسيا، باعتبارها شريكاً تعمل معه بشكل مباشر في التحالف الدولي ضد داعش وتستخدم قواعدها العسكرية، وعضواً في الناتو، ودولةً تملك أطول حدود مع سوريا. وإن لم تتخذ إدارة أوباما هذا الموقف من الإدارة التركية فإنها ستواجه اتهامات بالغدر بحليفها وستكون في مرمى سهام المعارضين الجمهوريين.
فالخارجية الأمريكية تتصرف كما هو معلوم مرتكزة على النتائج. فكما ساندت تركيا في الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، وتغاضت عن كثير من انتهاكات الجيش التركي لحقوق الإنسان في الانقلابات العسكرية؛ كذلك هي الآن تنتهج سلوكاً مماثلا لذلك. فإذا ما نظرنا من هذه الزاوية يتبين لنا لماذا تتغاضى واشنطن عن تجارة داعش بالنفط على الحدود التركية، وحتى عن استفادة بعض كبار المسؤولين من ذلك، كما ادعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وكان أوباما قد أوضح في الاجتماع الصحفي على هامش مؤتمر المناخ الذي عُقد في باريس بتاريخ 1 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أنه اتصل بأردوغان مرات عدة للحديث عن ضرورة إغلاق الحدود التركية- السورية، وأنه حدث تقدم حقيقي في هذا الموضوع، ولكنه أفاد بأنه ثمة فراغات في بعض المواضيع.
وأضاف أوباما: “لا تزال هناك أماكن تُقدر بنحو 98 كم من الشريط الحدودي يستخدمها داعش لنقل النفط الذي يمولها في تنفيذ عملياتها الإرهابية”. ولكن عندما بالغ الروس في ادعاءاتهم بأن داعش تتاجر بالنفط عن طريق أنقرة، وذلك للضغط على تركيا وخصوصاً على أردوغان؛ فإن واشنطن لم تتوانَ عن مساندة حليفتها تركيا. فقد أفاد أحد مسؤولي الخارجية الأمريكية بأن داعش لا ينقل كميات تُذكر من النفط عن طريق الحدود التركية، وأنه لا دليل على استفادة المسؤولين الأتراك من ذلك؛ مشيرا إلى أن الصور التي أبرزتها روسيا هي لسيارات تنتظر دورها على محطات توزيع الوقود، وليست لسيارات تعبر الحدود.
في حين أن أولوية أمريكا تتمثل في مكافحة الإرهاب المناهض للغرب والذي تعتبره أكبر خطر يهدد أمنها القومي، وهي تبحث عن شريك لها في ذلك، لذا فهي لا تنوي تخريب علاقاتها الحالية مع الدول التي تتعاون معها. ولهذا السبب الاستراتيجي فهي تتعامل على مضض مع الساسة الأتراك. حيث إن المسؤولين الأمريكيين ينتقدون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسؤوليه خلف الكواليس على حد تعبير أحد المراقبين الأمريكيين، ولا يعلنون ذلك صراحةً. بيد أن حكومة العدالة والتنمية التي تزيد من شعبيتها في السياسة الداخلية من خلال الخطاب المناهض للغرب عندما تتعرض لمأزق تلجأ إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي والناتو، الأمر الذي يثير السخرية في واشنطن. فالذين قالوا إن ثمة زعيمين ونصفاً في العالم بحيث يكون أردوغان وبوتين زعمين كاملين، في حين يكون أوباما نصف زعيم، أصبحوا اليوم يطلبون المدد من الزعيم الذي وصفوه بأنه نصف زعيم إزاء التهديدات الروسية.
والجدير بالذكر أن معهد دراسات الشرق الأوسط (وهو معهد أكاديمي عريق وليس معهدا عاديا) كان قد نظم الأسبوع الماضي مؤتمراً موسعاً حول تركيا، ولم يحضر أي ممثل عن الحكومة التركية أو حزب العدالة والتنمية. ذلك لأنهم لم يُقدموا على أي نجاح يدعو للفخر في السياسة الخارجية خلال الآونة الأخيرة، كما أنهم لن يتمكنوا من تبرير تراجعهم الكبير في الديمقراطية والقانون وحرية الصحافة. فضلا عن أن ادعاءاتهم بوجود كيان مواز ومحاولات انقلابية لا تلقى القبول على الساحة الدولية.