لاله كمال
إن إسقاط الطائرة الحربية الروسية من قبل الطائرات التركية بسبب انتهاكها الأجواء التركية منذ أيام ستكون تكلفتها باهظة على تركيا أكثر مما هي على روسيا.
فالشعب التركي والاقتصاد التركي سيتضرران بالنتائج السلبية التي بدأت تتمخض عن ذلك. وكالعادة عقب جميع الحوادث فإن المسؤولين لن يتحملوا المسؤولية. والمهم في هذه الحادثة ليس هو كون تركيا محقة أو غير محقة بل إنها عملية لم تُحسب عواقبها بدقة.
وكانت تركيا غيرت في 2012 قواعد الاشتباك عندما أسقط النظام السوري طائرة تركية من طراز (F-4) وقررت إسقاط أية طائرة أجنبية تنتهك المجال الجوي التركي.
وتفيد الأنباء بأن الطيارين الأتراك حذّروا الطائرة الروسية ضمن إطار صلاحياتهم في قواعد الاشتباك التي أوكلت للجيش، وحين لم يصدر أمر القصف عن القيادة، ومن ثم قصفوا الطائرة لأنها لم تتراجع عن انتهاك الأجواء التركية.
ولنتذكر أيضا أنه لم يتم البحث جيدا في حادثة إسقاط الطائرة التركية (F-4)، حتى أن الدعوى التي رُفعت باسم أحد الطيارَين قد عُتِّم عليها لأنها تمس المخابرات. علما بأنه طال الحديث كثيرا حول الطائرات التركية التي أوغلت كثيرا في الأجواء السورية فوق البحر المتوسط. ولو كُشف النقاب عن هذه الحادثة منذ البداية، لربما لم تقع حادثة إسقاط الطائرة الروسية منذ أيام.
ومع إسقاط الطائرة الروسية في منطقة استراتيجية يعيش فيها التركمان، وتصلح لإنشاء قاعدة روسية دائمة عن طريق النظام السوري، يمكننا أن نقول إن تركيا وروسيا تخوضان حربا بالوكالة في هذه المنطقة. أي إن كلا الطرفين لا يتطلعان إلى تقديم الدعم للتحالف الدولي الذي تشارك فيه 60 دولة من أجل القضاء على داعش، بل يتطلعان إلى مصالحهما من خلال أطراف موالية لهما. فمن جهة المجموعات المعارضة التي تدعمها تركيا بما فيها التركمان، ومن جهة أخرى روسيا التي تقدم الدعم العسكري لقوات الأسد من أجل استعادة الأراضي التي فقدها.
ومن ناحية أخرى فإن تصريح أردوغان بما معناه “لو كنا نعلم أنها طائرة روسية لما أسقطناها” والتصريحات الرسمية في أنقرة تُبيِّن لنا أن الحكومة التركية نادمة على إسقاط الطائرة، ولكن سبق السيف العذل.
كما أن حلفاء تركيا مستاءوون جدا من إسقاط تركيا للطائرة الروسية لأنهم يخشون أن يكون ذلك سببا في إفشال محاولاتهم في البحث عن سلام دائم في سوريا.
فلا تغرنَّكم تصريحات الناتو الداعمة لتركيا أمام الرأي العام حسبما يقتضيه التضامن بين الحلفاء. وكونوا على ثقة بأن هناك من يتذمر ويقول خلف كواليس الناتو: “لقد مللنا من سياسة تركيا التي تسبب لنا الحرج دوما”.
ومن جانبها أكدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن إسقاط الطائرة الروسية سيعقد من محاولات الوصول إلى حل سياسي في سوريا. في حين أن الناطق الأمريكي ستيف وارين قد أفاد بأنه: “لا علاقة للقوات الأمريكية بإسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا. فهذه حادثة بين تركيا وروسيا”، وكأنه يريد أن يقول: “لا تُشركوا الناتو أيضا في هذه الحادثة”.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي صبَّ جام غضبه على إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا، قد ذكر أن بعض المسؤولين الأتراك متورطين بتجارة النفط مع داعش دون أن يذكر أسماء. فإن أرفق هذه الادعاءات بأدلة ملموسة فحينها ستحدث ضجة كبرى. هذا ويمكن لروسيا أن تتوصل إلى وثائق سرية حول داعش في سوريا، فإذا أفشت ببعض المعلومات التي نظن بأن أمريكا تعرفها ولكنها تحيطها بالسرية، فسوف تصبح تركيا في وضع حرج للغاية.
إذن فإن بوتين قد خلع عن يديه قفازة اللباقة الدبلوماسية، وأخرج يديه كالملاكم، كي يُلحق الضرر بخصمه أي تركيا، وبدأ يدقق البحث فيما ادعاه من العلاقات بين تركيا وداعش.