مصطفى أونال
هل ثمة حاجة للتذكير بأن كلمات التفاخر والتعابير الرنانة التي تقف خلف الأحداث الدموية، ما هي إلا موروث قديم للدولة؟ فقد اعتاد المسؤولون السياسيون على قول عبارة “لن يذهب دمه هدرا” في مراحل الاغتيالات مجهولة الفاعل.
قد يظهر أحدهم ويدعي أنه أُلقي القبض على مجرم ما يعمل لصالح جهة ما. هذا صحيح ولكن لم يتم التوصل إلى الجهة المدبرة والدافعة له. إذ لم يُسلط الضوء على الجرائم الكبرى. بل ظلت معتّمة. ومن ذلك اغتيال الرئيس تورجوت أوزال والجنرال أشرف بيتليس والصحفي أوغور مومجو.
في الحقيقة ليس هناك فرق كبير بين الأمس واليوم. لقد راوحنا مكاننا مدة طويلة من الزمن. حيث اغتيل رئيس نقابة المحامين بديار بكر طاهر ألتشي في وضح النهار وسط ديار بكر. فقد اغتيل برصاصة أصابت رأسه في بلد تنتشر فيه جرائم القتل. كما استشهد معه شرطيان. وإن هذه الجريمة كبيرة بكل المقاييس. ويجب على الدولة معرفة من أطلق النار، والجهة التي تقف وراءه.
وقد مضت أيام على وقوع هذه الجريمة. ونحن الآن في اليوم الخامس. وقد تحدث رئيس الوزراء أحمد داوداوغلو بثقة فقال: “سنجد القاتل، ولن نترك الجريمة مجهولة الفاعل”. كما أفاد وزير العدل بكير بوزداغ ووزير الداخلية أفكان علاء: “إننا واقفون على الجريمة ونتقصى مرتكبيها”. ولكن البيان الخطي الصادر عن وزير الداخيلة مليء بالغرابة. الإرهابيون المعروفون ملاحقون عن كثب. ورغم ذلك لا يوجد مبرر منطقي لتصرفات الشرطة وعدم اتخاذ التدابير اللازمة. وهل من المعقول اقترابهم من سيارة فيها أناس مسلحونو كأنهم لايعلمون ذلك؟ أما كان عليهم أن يتخذوا تدابير احترازية؟ إن ذلك موضوع آخر قابل للنقاش. ولكن المهم ليس الكلام، فالكل يتمنى تسليط الضوء على الحادثة، فهذا مطلب الرأي العام كما هو مطلب عائلة الضحية. فالدولة لم تتمكن من إجراء البحث في منطقة الجريمة. ففي اليوم الأول تعرض المدعي العام وقوات الأمن لإطلاق النار مكثف ولم يستطيعوا الاقتراب. حدث الشيء نفسه في اليوم التالي. مع أن مكان الحادث في مركز المدينة. ألا تستطيع الدولة منع إطلاق النار؟ فهل كان الذين قالوا: “إن الدولة انسحبت من المنطقة أثناء مسيرة السلام. فلم تُترك المناطق الريفية فقط للمنظمة الإرهابية بل مراكز المدن أيضا تُركت لها” محقين في قولهم هذا؟
ومن الذي أوصل الدولة إلى هذا الوضع حتى صارت لا تستطع حماية رئيس نقابة المحامين، وعجزت عن البحث في مكان الجريمة وجمع الأدلة؛ أعجزت الدولة إلى هذا الحد؟ وليس جسد طاهر ألتشي هو الذي أزيل من الوجود وحده. بل تركيا بأكملها هي التي خسرت. ونحن كلنا خاسرون.
أتمنى أن يتحقق وعد داوداوغلو. وأن يُكشف اللثام عن المجرم أو المجرمين. وإلا سيكون مستقبلنا ظلاما حالكا. وهل عُرف مرتكبو مجزرة أنقرة التي راح ضحيتها 102 قتيل من المواطنين؟ وهل كُشف النقاب عن المنظومة التي خططت للتفجيرات الانتحارية؟