عبد النور بوخمخم (*)
إسطنبول (زمان عربي) – لا يشير الحديث الجديد عن استعدادات تركيا لتقليص وراداتها من الغاز الروسي إلى تحول طارئ بقدر ما هو تسريع لمساع حثيثة أظهرتها تركيا منذ ثلاث سنوات على الأقل لتأمين مصادرها من الغاز المسال القادم في ناقلات من بعيد كبديل لغاز الأنابيب الروسي الموصول بها مباشرة بحرا وبرا.
وأصبحت هذا المساعي أكثر الحاحا بعد الأزمة الأخيرة بين البلدين، و توفر روسيا حاليا أكثر من 60 بالمائة من حاجيات تركيا من الغاز الذي تمتزج فيه غالبا أزمات السياسة والأمن، وتسعى أنقرة في مرحلة أولى إلى تخزين 15 بالمائة من حاجاتها من الغاز المسال ولذلك كثفت من اتصالاتها مع دول منتجة أخرى مثل قطر والجزائر وحتى أمريكا و أستراليا البعيدتين.
ويدل الحديث عن استعداد تركيا لتقليص ما يقرب من ربع وارداتها من غاز البترول المسال بداية من العام القادم إلى انها ستبدأ من الغاز الموجه للاستهلاك الفردي مثل التدفئة والطبخ في البيوت، وتراهن في وقت لاحق على الغاز الطبيعي المسال المستخدم بالأساس في قطاعات مثل الصناعة ومحطات انتاج الكهرباء، وتستهلك الأخيرة ما يقرب من نصف واردات تركيا من الغاز سنويا التي زادت عن 50 مليار متر مكعب العام الماضي.
ورفعت تركيا بالفعل العام الماضي وارداتها من الغاز الجزائري المسال بمقدار النصف لتصل إلى 6 مليارات متر مكعب سنويا، لكن في ظل تراجع انتاج الغاز في الجزائر وعجزه عن تلبية حتى حاجة السوق الأروبية التقليدية لم يحدث ذلك سوى فارقا بسيطا فيما تريده تركيا، ولذلك تراهن تركيا بالأساس على قطر التي تتربع على السوق الدولية لانتاج وتصدير الغاز المسال وأيضا أمريكا التي أحدث لديها الغاز الصخري طفرة كبيرة في سوق الانتاج والتصدير.
وليس ذلك بدعة تركية، فالإتحاد الأوروبي يسعى أيضا بشكل حثيث إلى زيادة حصىة الغاز المسال فيما يستهلكه من الغاز إلى ما يقرب النصف، ويعد لجعل العام القادم موعدا للفصل في استراجية جديدة كبيرة يقول المسؤولون الأوروبيون إنها وحدها كفيلة بكسر تحكم روسيا في نحو ربع وارداتهم من الغاز ويقول عنها المفوض الأوربي للطاقة إنها تنذر بانقلاب جذري في المعادلة.
وتزيد تكلفة الغاز المسال عن نظيره القادم عبر الأنابيب بسبب الوسائل التقنية والمادية المسخرة لنقله وتخزينه وإعادة تكييفه، لكن الرهان التركي مثل الأروبي هو على تخفيض تكلفته عن طريق دفع ومساعدة الدول المنتجة في زيادة استثماراتها وتطوير تقنية الانتاج والتكييف والنقل وانشاء مساحات عملاقة للتخزين الطويل وخاصة اقناع المصدرين بتعويض عقود التوريد طويلة الأجل بالبيع على العرض المباشر.
ولا يظهر حتى الآن كم هو الوقت الذي تحتاجه تركيا للحد من تبيعتها المفرطة لواردات الغاز الروسي لكن المهمة قد تطول أكثر مما هو الأمر بالنسبة لأوروبا، ففي الوقت الذي ينقص حجم الاستهلاك الأرووبي للغاز بفضل الطاقات المتجددة وأسباب أخرى تزيد حاجة تركيا للغاز بشكل متسارع في وقت جعلت أزمة المحطات النووية في زلزال اليابان قبل أربع سنوات هذا البديل مثل الكابوس لدول عديدة منها تركيا
(*) كاتب وإعلامي جزائري