محمد كاميش
في الوقت الذي أحاط فيه بالعالم كله إرهابُ تنظيم داعش الذي قتل مئات الأبرياء في العاصمة الفرنسية باريس مؤخراً وغدا يشكّل خطراً في جميع أنحاء العالم، وصار فيه الإسلام يذكر جنباً إلى جنب مع الإرهاب والقتل، يواجه أحد أنسب وأقرب التفسيرات لروح الدين الإسلامي عملية مطاردة الساحرات في عقر داره (تركيا) التي ولّد في أحضانها.
إن العالم كله، خصوصاً في مثل هذا الوقت، بحاجة إلى حركة الخدمة. لأن حركة الخدمة تعترض على إقدام الناس المسحوقين المضطهدين المستعمَرين من قبل الغرب أولاً، ومن قبل السلطات الحاكمة في بلدانهم ثانياً، على إظهار غضبهم من خلال العنف، بل تقترح طرقاً بديلة لتحويل هذا الغضب إلى عنصر إيجابي يصبّ في مصلحتهم.
وإذا نظرتم من هذه الناحية لوجدتم أن حركة الخدمة تكاد تكون الحركة الفكرية الوحيدة التي تقدم حلولاً للشعور بالظلم والاضطهاد؛ أهم سبب للإرهاب. فهي تبرهن للشعوب الشرقية أنه بمقدروها تحقيق النجاح دون اللجوء إلى العنف والحرب والإبادة، وبإمكانها فعل أعمال خيرية وتقديم نموذج يُحتذى به للعالم برمته. إنها قبل كلّ شيء تؤكّد أن “الإسلام” ليس “أداة حرب” في يد الشرق للتغلب على الغرب، وتتخذ من مبدأ “الإحياء” بدلاً من “القتل” هدفاً أساسياً لنفسها. وهي تكرّس جهودها الفكرية والعملية لتقديم تفسير صحيح للإسلام في إطار ضوابط الكتاب والسنة وتشدّد على أن غاية الدين الوحيدة هي التعريف بالله ربّ العالمين لعباده من جميع أصناف الناس وتحبيبه إليهم.
مع ذلك، فإن هذه الحركة السلمية المنسجمة مع روح العصر، والتي تكتسب أهمية كبرى للشرق والغرب على حد سواء، تتعرض اليوم لعملية “مطاردة الساحرات” من أجل القضاء عليها. فإما تُغيَّر مناصب الموظفين في مؤسسات الدولة وإما يُطرَدون من العمل وَفق التصنيفات التي تعدّها وحدات المخابرات. وفوق ذلك تُقتحم بل تُحتلّ المدارس التي تقدم أفضل تعليم في البلاد باعتراف الجميع وتخرّج أكفأ الطلاب. كما تُفرض غرامات باهظة على شركات رجال الأعمال الذين يقدمون منحاً دراسية للطلاب الفقراء المتفوقين في البداية، ثم يعقب ذلك مصادرة أموال تلك الشركات من خلال تعيين أوصياء عليها. ورغم كل ذلك لا يهدأ بالهم بل يعمدون إلى الزجّ برجال الأعمال في السجون بتهمة وحيدة فقط هي “التكفل بمصاريف دراسة الطلاب الفقراء”، وتقييد النساء اللواتي يقمن بالأعمال الخيرية بالكلبشات واعتقال حتى المعلمين الذين يدرّسون مادة “الدين”. وكذلك تُحجب القنوات التفزيونية، بما فيها قنوات خاصة بالأطفال، على القمر الصناعي توركسات . وتُواجه الشركات التي تعطي إعلاناتها لهذه القنوات تهديداتٍ خطيرة. فضلاً عن أنه لا يعلم أحد إلى أي مدى ستصل عمليات مطاردة الساحرات هذه.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد أيضاً، بل راحوا يمارسون الضغوط ويوجهون تهديدات لمختلف البلدان التي تنتشر فيها المدارس التركية التي تُعتبر “جزر السلام والأخوَّة” حتى يغلقوها. ومن ثم عرضوا على هذه البلدان رشاوى في شكل قروض لإغلاق تلك المدارس، على الرغم من أنها علّمت أبناء الأطراف المتناحرة في أكثر المناطق الجغرافية تعقيداً وصراعاً معنى “السلام والأخوة”.
ومختصر الكلام؛ ثمة محاولات للقضاء على مثل هذه الحركة السلمية واستبدالها بكيانات تتغذّى على العنف. انظروا جيداً إلى الذين يريدون القضاء على هذه الحركة السلمية التي لا يمكن أن تستغني عنها شعوبُ الشرق والغرب المرهقةُ بسبب القتل أو التعرض للقتل، ومن ثم انظروا إلى تنظيم داعش المصمّم على التدمير والإبادة لتروا كيف أنه انتشر وتوسّع بهذه السرعة والحرية .. وعندها ستدركون مدى المؤامرة التي يحيكونها ضد حركة الخدمة.