بقلم: علي أصلان
يتم التخطيط لخيار الحملة العسكرية في العلاقات الدولية بهدف تحقيق نتائج إيجابية بالنسبة للدفاع الوطني ومصالح البلد. وهو خيار لا يُنصح به على صعيد السياسة الخارجية بسبب تكلفته السياسية والمالية.
فإذا كانت مكاسبه أكثر بكثير من تكلفته يمكن تطبيقه لتحقيق نتائجه. ولكن إسقاط تركيا للطائرة الروسية التي انتهكت الأجواء التركية على الحدود مع سوريا، لا يتوافق مع هذه المعايير. على ما يبدو فإن الذين تذرعوا بقولهم “لم نكن نعرف أنها طائرة روسية” كي يحافظوا على سمعتهم الوطنية، حين وجدوا العواقب الوخيمة لإسقاط الطائرة، لم يقوموا بحساب هذه العملية مسبقا.
ويتضح أن الروس ينظرون إلى المجموعات المقاتلة التي تدعمها أنقرة – ولا سيما التركمان- من منظور الأسد، ويعتبرونها عنصرا تهديديا. ويحق للحكومة التركية أن تستاء من الغارات الروسية المكثفة على جبل التركمان الاستراتيجي الذي يُعدُّ بمثابة المتنفس المفتوح على البحر المتوسط بالنسبة لقوات المعارضة. ولكن إيجاد حل في السياسة المفلسة تجاه سوريا، لا يمكن أن يكون من خلال حملات ذات مخاطر عالية تودي بتركيا إلى مغامرات عسكرية وسياسية جديدة.
وإن تنفيذ مثل هذه العملية بحق قوة عسكرية كبرى كروسيا لا بد أن يكون وراءها حسابات وإرادة سياسية. فقبل الأزمة كان رئيس الوزراء أحمد داود أوغلوقد اشتكى روسيا للأمم المتحدة. وكانت السفارة الروسية في أنقرة قد حُذِّرت. وبعد هذه المحاولات الدبلوماسية، قد تكون أنقرة تحاملت كثيرا على روسيا، ويبدو أنها حاولت إشراك المجتمع الدولي في تدخل محتمل. ولكن لا يمكن القول إن تركيا نجحت في ذلك.
وإذا ما نظرنا إلى أولى ردات الفعل التي ظهرت في واشنطن وبروكسل، لتبين أن أمريكا والناتو لم يكونا مستعدين ولا راضيين عن سيناريو الخلاف التركي الروسي. وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومسؤولو الناتو قد أدلوا بتصريحات تفيد بأن لتركيا الحق في حماية سيادتها، وذلك حسب ما تقتضيه الأصول حفظا لماء وجه حليفتهم تركيا. ولكنهم لم يشيروا إلى استعدادهم للتفاني من أجل تركيا، ولا لتحدي روسيا.
وإذا كانت أنقرة قد فكرت بأن أمريكا ستقف إلى جانبها، فهذا يعني أنها لم تعرف إدارة أوباما نهائيا، ولم تتعلم السياسة السورية لأمريكا بعد. فالغاية الأساسية للبيت الأبيض في سوريا هي محاربة داعش. وهي تسعى لاستمالة الكرملين إلى جانبها. وقد قطعا شوطا بعيدا في هذا المجال. ولكن تصرف تركيا الذي أفسد الخطة قد سبب القلق والانزعاج بالنسبة لأمريكا. حيث اتصل أوباما بأردوغان، واتصل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بنظيره الروسي محاولا السيطرة على التوتر. كما أن أمريكا وفرنسا لا تريدان تزعزع التعاون مع روسيا في مكافحة داعش بسبب تركيا. وكأننا شركاء استراتيجيين لكل من روسيا وأمريكا، ولكن إحداهما ترى أن أنقرة تسبب لها الكثير من المشاكل في سوريا، أما الأخرى فترى بأن أنقرة طعنتها من الخلف. وإن تصرف الحكومة الذي أزعج أكبر لاعبين على الساحة السورية، قد قلص من دور تركيا في مفاوضات السلام.
وإذا كانت غاية تركيا من إسقاط الطائرة هي الحيلولة دون التحركات العسكرية الروسية في سوريا، فقد حصل العكس. فالروس الذين زادوا تعزيزاتهم من صواريخ (S-400)، كأنما يشكلون منطقة حظر للطيران التركي. وبالتالي فإن التركمان وغيرهم من المعارضين السوريين سيواجهون أياما أشد من التي يواجهونها الآن. حيث سيتصاعد الصراع غير المباشر لروسيا وإيران ضد تركيا، كما ستستعر الحرب عن طريق حلفائهم في سوريا.
وحين ننظر إلى المسألة من وجهة نظر الجبهة الأمريكية والأوروبية، يتبين لنا أنه بعد إقصاء مخاطر جر الناتو إلى صراع عسكري، بقي جانب مسلٍّ من المسألة، وهو أنهم سيستمتعون بمشاهدة الزعيمين اللذين يشمئز كل منهما من الآخر، وكل منهما يحاول القضاء على الآخر، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فهما موصوفان في الغرب بالاستبداد والعناد وعدم الالتزام بالقوانين والسلطوية.
ادعى الروس أن تركيا ترسل الأسلحة إلى الإرهابيين في سوريا تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وأن داعش يتاجر بالنفط عن طريق تركيا، وأن أردوغان يستفيد من ذلك. وأنا متأكد من أن الدول الغربية مسرورة ضمنيا باتهامات بوتين لأردوغان، ولكنها لا تصرح حول مثل هذه المواضيع بسبب التحالف والروابط الاستراتيجية.
كما أن اعتقال جان دوندار وأردم جول من جريدة جمهوريت، بسبب نشر أخبار تثبت بأن شاحنات المخابرات كانت محملة بالأسلحة؛ جعل أنقرة في موقع التستر على الجريمة في أنظار العالم.
وإذا ما نظرنا إلى النتائج غير المرغوبة لتبين لنا أن العملية العسكرية ضد روسيا، لن يكون في صالح الحكومة التركية التي تشكلت في الأيام القليلة الماضية. والنتجية أننا سددنا هدفا في مرمانا منذ الدقيقة الأولى!