بقلم: مصطفى أديب يلماز
عقد الرئيس رجب طيب أردوغان اللقاء الخامس عشر من اجتماعات “ملتقى العُمد”الذي بات أمرًا اعتياديًّا في تركيا. وكالعادة شُوهد على المنصة يتحدث بأسلوبه الحاد الذي اعتدنا عليه منه.
إلا أن اللافت أنه استهدف هذه المرّة في كلماته الحادة نظيره الروسي فلاديمير بوتين وليس الصحفيين أو المعلمين أو رجال الأعمال المساكين الذين لا يستطيعون الرد عليه، وإذا ما هموا بفعل ذلك سيكون مصيرهم الاعتقال على وجه السرعة أو مصادرة أموالهم وممتلكاتهم.
أجل! كان يتحدث عن بوتين رئيس دولة روسيا التي أسقطت المقاتلات التركية إحدى طائراتها الحربية صباح الثلاثاء الماضي بسبب انتهاكها المجال الجوي لتركيا. ومن المفارقات أن أردوغان كان طلب قبل فترة ليست بالبعيدة (قبل عامين) من بوتين المشهور جدًّا بين مستشاري القصر الأبيض الجمهوري أمام الكاميرات أنْ ينقذ تركيا من “الاتحاد الأوروبي”…
إنه الزعيم الروسي الذي وجه عقب حادث إسقاط الطائرة اتهامات ثقيلة مثل “التعاون مع الإرهابيين” و”شراء النفط من تنظيم داعش” ،والتي استهدف بها أردوغان دون أن يذكر اسمه، والذي طالب في البداية بتعويضات عن إسقاط الطائرة ومقتل أحد طياريها وتقديم تركيا اعتذارًا رسميًّا من أجل تليين العلاقات الثنائية.
إلا أن أردوغان عاتب بوتين –أولًا- بقوله: “الآن يقولون إن تركيا تشتري النفط من داعش. السلطات المسؤولة هي من يقول ذلك. إنه لأمر مخزٍ، وعار أيّـما عار!”.
ثم أعلن أردوغان أن جميع الطائرات الأخرى التي تنتهك المجال الجوي لتركيا مثل الطائرة التي زعم أنه تم إسقاطها دون معرفة هويتها، ستواجه نفس التدابير الشديدة، قائلاً: “إذا وقع الانتهاك نفسه اليوم؛ فتركيا لن تتردد في القيام بالرد نفسه”.
وتزامنًا مع تصريحات أردوغان، قرر بوتين نشر منظومة الدفاع الجوي المتطورة (إس-400)، الموجودة لديه منذ فترة طويلة، على مسافة 40 كيلومترًا من جنوب الحدود التركية.
وعند استخدام المنظومة التي يبلغ مداها 400 كيلومتر في هذا الغرض، فيمكن القول إن روسيا لديها القدرة على عدم السماح بتحليقِ حتى الطيور – إن صحّ التعبير – في الحدود التركية مع سوريا على الخط الذي يمتد من مدينة هطاي إلى ماردين.
ويمكنكم اعتبار هذا الأمر على أنه “منطقة حظر جوي”، بشكل ما، للطائرات التركية على الأقل. ومن المفارقات أيضاً أن أردوغان ضغط كثيرًا على الولايات المتحدة من أجل إنشاء منطقة من هذا القبيل على حدود بلادنا، إلا أن روسيا هي التي بادرت وسبقت أردوغان في هذا الأمر الذي لن يصبّ في مصلحة تركيا!
وعلى الرغم من أن أردوغان بدا وقد غيّر من موقفه لاحقًا بعد أن قال “لو كنّا نعرف أنها طائرة روسية لاختلف تصرفنا”، لكن يُفهم من تصريحات روسيا الحادة أن العلاقات بين البلدين آلت إلى وضعية ليس من السهل العودة عنها بسهولة.
لذا أرى أنه حان الوقت لإعمال الفكر والتدبر في الأمور التي قد نعايشها بعد الآن. فهذه الأزمة تشبه لعبة الدمية الروسية المشهور “ماتريوشكا” المصنوعة من الخشب والتي تتضمن داخلها عدة دُمى أخرى بأحجام متناقصة، وعند النظر إليها من الخارج لا يتضح عدد الأطفال الذين سيخرجون منها. لذا فقد تتمخض هذه الأزمة عن نتائج مُتعددة ومتداخلة مع بعضها البعض.
وفيما يلي 10 نقاط من النتائج التي تتبادر إلى الأذهان مباشرة لكن من الممكن أن يحدث أكثر من ذلك:
1. من الآن فصاعدًا ستشعر تركيا بضغط موسكو الكثيف والشديد في جميع المحافل الدولية التي تشارك فيها مع روسيا.
2. ستقوم موسكو بتضييق الخناق على أنقرة خاصةً في موضوع دعم تنظيم داعش، وستتعرض صورة تركيا لأضرار بالغة بسبب الوثائق المحتمل صدورها في هذه المرحلة.
3. ستقوم روسيا بتنظيم هجمات أكثر شدة على المجموعات المعارضة المحالفة لتركيا في سوريا وعلى رأسها التركمان.
4. ستزيد موسكو من تعاونها مع العناصر والإدارات التي تعتبرها أنقر تهديدًا وبالأخص حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي جناح منظمة حزب العمال الكردستاني شمال سوريا.
5. إن أنقرة التي ستحتاج إلى المزيد من المظلة الأمنية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بسبب الاحتكاكات مع موسكو، ستضطر إلى تقديم تنازلات أكثر في موضوع أزمة اللاجئين على المدى القصير في مساوماتها السياسية والاقتصادية مع الغرب.
6. ستتقلص مناطق مناورات تركيا والشركات التركية في مناطق مثل القوقاز وآسيا الوسطى الواقعتين تحت النفوذ السياسي القوي لروسيا.
7. ستجد تركيا صعوبة في كسب الأموال عن طريق روسيا في الكثير من القطاعات وعلى رأسها السياحة.
8. ستحدث حالة من التقلص والتسريح من العمل في قطاعات السياحة والزراعة والمنسوجات والملابس الجاهزة والمواصلات التي سيقل ربحها بسبب ظروف العمل الصعبة.
9. في الوقت الذي يزيد فيه العجز في الحساب الجاري بسبب انخفاض إيرادات العملة الأجنبية، ستشهد البلاد صعوداً في سعر صرف العملات وبالتالي التضخم وغلاء المعيشة أيضًا.
10. وفي الوقت الذي يحدث فيه كل ذلك، فعلى العُمد المساكين الذين يتم استغلالهم من أجل تلبية احتياجات الشعب في الدعاية والسياسة الرخيصة أن ينسوا طريق منازلهم بسبب كثرة الاجتماعات في القصر الأبيض.