عمر نور الدين
لم ينشغل أحد كثيرا بإعلان تشكيل الحكومة التركية الجديدة برئاسة أحمد داوداوغلو.. كان الجميع منشغلا بإسقاط تركيا الطائرة الروسية على الحدود مع سوريا وما صاحبها من تحركات محمومة وتصريحات ملتهبة من هنا وهناك.. لم يكن لدى الكثيرين الفرصة للتوقف أمام موضوع تشكيل الحكومة الذي تأخر طويلا عن موعده المحدد وكان من الممكن أن يتأخر ليوم أو يومين بسبب هذا الحدث الذي خطف الاهتمام.
نعم كان يمكن تأخير إعلان تشكيل الحكومة، وساعتها لم يكن أحد سيسأل لماذا تأخر لأن الدولة وأجهزتها جميعا غارقة تماما بتداعيات إسقاط الطائرة وردود الفعل والأزمة التي نشبت مع روسيا لتضيف أزمة جديدة من الأزمات مع الدول التي تخسرها تركيا تباعا بسبب الضعف الظاهر في دبلوماسيتها وسياستها الخارجية التي باتت تتخبط وتفتقد للقدرة على التعامل مع التطورات المتلاحقة في المنطقة من حولها.
لكن من الزاوية الأخرى للرؤية، ألم يكن جيدا بالنسبة للرئيس رجب طيب أردوغان، تحديدا، كونه المعني الأول بما يجري من تطورات في السياسة الداخلية وترتيب وتصميم نظام الحكم بعد الانتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا والتي فاز بها حزب العدالة والتنمية في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، مستعيدا أغلبيته المفقودة في انتخابات السابع من يونيو / حزيران الماضي، إعلان تشكيل الحكومة الجديدة تزامنا مع هذا الحدث الصارخ محليا ودوليا.
بالطبع كان هذه هو المطلب بالضبط.. لكن لماذا؟
لأن النظرة التحليلية لتشكيل الحكومة الجديدة تكشف بوضوح أنها حكومة أردوغان وليست حكومة داوداوغلو، فهي حكومة تحمل بصمات أردوغان من أعلاها إلى أسفلها.. فمثلا:
– ضم تشكيل الحكومة الجديدة برات البايراق زوج ابنة أردوغان وزيرا للطاقة والموارد الطبيعية بكل ما يقال عن حساسية هذا الملف وتشابكه خاصة من حيث تصدير بترول شمال العراق عبر تركيا وما يتطاير من اتهامات بين الحين والآخر عن تعامل تركيا مع تنظيم داعش الإرهابي في نقل وتسويق النفط.
– عادت إلى الحكومة وجوه ارتبطت في أذهان الشعب بوقائع الفساد والرشوة التي كشف عنها النقاب في 17 ديسمبر/ كانون الأل 2013، أبرزهم وزير النقل والمواصلات والنقل البحري بينالي يلدريم، ومعه عادت وجوه قديمة سئمها الشارع التركي لتأجيجها حالة التوتر والاستقطاب، مثل أفكان آلا وزير الداخلية وبكير بوزداغ وزير العدل، لا لشيئ إلا لأنهم رجال أردوغان الحقيقيون.
– خرج من التشكيل وجوه مقبولة لدى الشعب مثل نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية على باباجان ليحل محله وزير المالية محمد شيمشيك الذي شبه التبذير والسفه الحكومي في الانفاق على السيارات واستئجار المقرات وغيرها من أوجه الانفاق التي تكلف خزانة الدولة الملايين بأنها مثل ما ينفقه الأتراك على التسالي والمكسرات.. خرج بابا جان لا لشيئ إلا أنه لا يحظي برضا أردوغان.
– كما عاد وزير الخارجية مولود تشاووش اوغلو صاحب أبرز إخفاق دبلوماسي لتركيا في الحصول على مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي العام الماضي وصاحب الأزمة الدبلوماسية مع مصر بعد أن أبدى رغبة في اللقاء مع نظيره المصري سامح شكري على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم تراجع بعد أن نهره أردوغان، وهو أيضا صاحب الموقف الضعيف الذي حدث في اليوم الثاني لعودته إلى المنصب حيث أعلنت الخارجية التركية أنه أجرى اتصالا مع نظيره الروسي سيرجي لافروف للتباحث حول أزمة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وخرجت المتحدثة باسم الخارجية الروسية لتنفي أي اتفاق على لقاء بين الوزيرين وتعطي درسا لتركيا حول أخلاقيات العمل الدبلوماسي ولتؤكد أنه لم يكن هناك خلال الاتصال أي اتفاق على لقاء بين الوزيرين.
– ظهر في تشكيل الحكومة أيضا أسماء اعترض عليها داوداوغلو مثل سليمان صويلو وزير العمل والضمان الاجتماعي نظرا لإصرار أردوغان عليه.
إذن مرت الحكومة الجديدة وخرجت إلى العلن وسط انشغال الشارع التركي والعالم كله بإسقاط الطائرة الروسية.. مرت وهي تحمل على رأسها اسم أحمد داوداوغلو كرئيس للوزراء لكنها لا تجمل بصماته ولا تعطي ترجمة لتصريحاته عقب الانتخابات البرلمانية التي قال فيها وداعا للاستقطاب والتوتر .. وأبدى فيها وعدا وعزما على مكافحة الفساد .. فيما جاء وزراء التوتر وبعض وزراء الفساد من جديد.. فهل هي حقا حكومة داوداوغلو؟